على رغم أننا التقينا مراراً في أماكـن مثل استوكهولم وجنيف وباريس، إلا أنني تعرفت إلى مصطفى كمال طلبه حقاً لأول مـرة في نيروبي عاصمـة كينيـا عـام 1976، عندما أصبح المدير التنفيذي لبرنامـج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) والتحقت بفريق عمله. كانت تلك المرحلة حافلة بالعمل في حياة منظمتنا الفتية، من تأسيس أول مقر لمنظمة تابعـة للأمم المتحـدة في بلد نام، والانتقـال إلى حرم جديـد، وخلق برامج عالمية لمواجهة المخاطـر المتنامية التي تتهدد نظـم دعم الحياة على كوكبنا.
كان طلبه من كبار العلماء، وسياسياً وطنياً، وبذلك جلب إلى «يونيب» فهماً موضوعياً واسـع النطـاق ومهارات ديبلوماسية فعالة بشكل غير معتـاد، مكنتـه خلال العقدين التاليين من إرساء أطر مؤسسية جديدة لإدارة البيئة العالمية. من قضايا البحار والمحيطات، إلى طبقة الأوزون، إلى تغير المناخ، إلى التنوع البيولوجي، إلى التلوث والنفايات، نحن نمارس اليوم آليات للتفاوض الدولي تصورها وابتدعها مصطفى كمال طلبه وزملاء تحت قيادته.
كنت مهنيـاً شاباً أعمل مع شخصيـة عملاقـة، شخصية لديها قـدرة فكرية وجسديـة استثنائية والتزام بالنتائج وتفوق نادر في نطاقات الخدمة المدنية الدولية. وكانت لديه ذاكرة «فوتوغرافية» يضرب بها المثل، وعين على التفاصيل، وأذن على اللغة، بحيث أنه كان يدفع محررين محترفين يعملون بلغتهم إلى مستويات جديدة من الكفاءة، متعاملين مع ملاحظاته المسهبة التي كان يخطها بحبر أحمر مميز.
تجربتي الشخصية كانت مجزيـة في عملي المباشر مع طلبه، ليس فقط لأنه عندمـا كـان يفوض المسؤوليات كان يفوضها كليـاً، بل لأنه بإعطائي أقصى الحرية لاتخاذ قرارات رئيسية مكنني من إدارة ابتكار نظام معلوماتي عالمي جديد لصنع القرارات البيئية. وكان التزامه بتوجيه العاملين معه وتدريبهم وبنـاء قدراتهم جديـاً وكاملاً. وكنت أحد المستفيدين من العمل مع هذا المدير الرائع.
عندما حـان الوقت لأغادر «يونيب» وأعود إلى بلدي لتأسيس ما اعتُبر أول مؤسسة اجتماعية في العالم مكرسة للتنمية المستدامة، شرحت لطلبه أسباب رغبتي في المغادرة. وقـدَّرت لـه كثيراً أنـه تفهم على الفـور قيمـة الفكـرة التي راودت ذهني، وهي تحويل اجتثاث الفقر وتجديد الموارد الطبيعية إلى عمل رابح. وخلال العامين التاليين، ساعـدني شخصياً في تصميم المؤسسة وجمع الموارد المالية التي مكنتني من بدء ما أصبح إسهاماً رئيسياً في جهود «يونيب».
لقد كان طلبه من الأبطال الأكثر تأثيراً على منظمتي «بدائل التنمية»، وسأبقى ممتناً على الدوام إذ سنحت لي فرصة العمل مع هذا الرجل العظيم والتعلم منه.
آشوك خوسلا، رئيس منظمة «بدائل التنمية»
|