تنتشر حشرة الدعسوقة، أو الخنفساء المنقطة "أم علي"، في معظم بقاع الأرض حيث يوجد منها أكثر من 6000 نوع موصوف. وتتميز بلونها البرّاق الذي تتخلله بقع دائرية داكنة، مما يساعدها في الاحتماء من المفترسين الذين يظنون أنها حشرة سامّة أو ذات مذاق غير مستساغ.
هذه التقنية الدفاعية التي تستخدمها الدعاسيق يستفيد منها أحد أنواع الدبابير لتنشئة صغاره وحمايتهم، وذلك من خلال وخز الدعسوقة وحقنها ببيضة ملقحة في بطنها. وبعد نحو خمسة أيام تفقس يرقة الدبور التي تبدأ بأكل اليرقات الموجودة في جسم الدعسوقة.
تعتمد يرقة الدبور على أعضاء الدعسوقة كنظام داعم للحياة تستمد منه المغذيات خلال نموها. وفي هذه الأثناء، تستمر الدعسوقة في الحركة وتناول الطعام بشكل طبيعي إلى أن يبلغ عمر اليرقة قرابة الشهر. عندئذ تقوم اليرقة بتشطيب الأعصاب الحركية لسيقان الدعسوقة من دون قطعها، وهكذا تصاب الدعسوقة بالشلل الموقت.
عندما تتوقف الدعسوقة عن الحركة، تخترق اليرقة بطنها بحذر من دون أن تتسبب بقتلها، إذ تبقى بحاجة إلى الحماية التي توفرها. ثم تقوم بحياكة شرنقتها أسفل جسم الدعسوقة، التي بالكاد تتمكن من التلويح بسيقانها في الهواء، مما يجعل المفترسين يظنون أنها لا تزال على قيد الحياة فيتحاشون التهامها.
بعد ستة أيام تتحول "الخادرة" إلى دبور مكتمل يحلّق بعيداً. وحينئذ تبدأ الدعسوقة بالتعافي، وإذا كتبت لها النجاة بعد أربعين يوماً من تطفل يرقة الدبور عليها، فإنها ستعاود الحركة وتتابع حياتها.
حالة التطفل والسيطرة التي تتعرض لها الدعسوقة تشبه في كثير من تفاصيلها نماذج الاقتصاد المبنية على موارد محددة ومحدودة تنطوي على درجة عالية من الانكشاف على المخاطر. البلد الذي يقوم اقتصاده على النفط وحده، أو القطن أو السياحة وحدهما مثلاً، لا يملك الحصانة الكافية ضد جميع المؤثرات، الداخلية والخارجية.
الألوان البراقة للدعسوقة لم تستطع حمايتها من حالة التسلل والتطفل التي قامت بها حشرة الدبور. وبشكل مشابه، فإن الشعور المخادع بالاكتفاء والأمان الذي ينتج عن عوائد الموارد الوطنية، الفائضة كمّاً والمحدودة نوعاً، لا يقي من أشكال الارتهان التي تسعى إليها الجهات الخارجية المتأثرة بهذه الموارد إنتاجاً أو استهلاكاً. ولنا في المضاربة بأسعار النفط والبحث العالمي عن بدائل له عبرة ومثال.
أما حالة الشلل التي أصابت الدعسوقة بفعل اليرقة التي كبرت في جسمها وسيطرت على حركتها، فلا تختلف كثيراً عن حالة الشلل التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني بفعل انتشار الفساد وهيمنة البيروقراطية، اللذين يتحكمان بكل مفاصل التنمية ومقومات الإنتاج المحلية، ولا يمكن التخلص منهما إلا بسيادة القانون وضمان العدالة في الحقوق والواجبات وتحقيق تساوي الفرص.
إن تقدم بلداننا اقتصادياً وتطور نوعية الحياة فيها يرتبطان بعاملين مهمين لا غنى عنهما: تنويع مصادر الدخل الوطني بشكل مدروس وعقلاني، وإقامة دولة العدل والمساواة المستندة إلى الوقائع لا الشعارات. بذلك نضمن تمتين "طبقات الحماية" من المؤثرات السلبية الخارجية، ونقوي الأواصر الوطنية لمواجهة محاولات استنزاف الموارد والطاقات الداخلية.
|