واكب مؤتمرَ تغير المناخ، الذي شهدته باريس في كانون الأول (ديسمبر) 2015، حدثٌ فنيّ ذو دلالة. ففي مساء الثاني من ذلك الشهر فوجئ المارَّة بميدان "بانتيون" في العاصمة الفرنسية باثنتي عشرة كتلة جليدية هائلة تزن الواحدةُ منها نحو عشرة أطنان، تنتظم في هيئة دائرة وسط الميدان. ولم يخطر ببال أحد منهم أنها اقتُطعت من مضيق في غرينلاند، وهي أكبر جزيرة في العالم (باستثناء أوستراليا) وتقع شمال شرق كندا بين القطب الشمالي والمحيط الأطلسي. وتم نقلها إلى هذا الميدان، في هذا التوقيت، ليصنع منها الفنان الأيسلندي أولافور إلياسون عملاً فنياً حمل اسم "ساعة من جليد".
وفي صباح اليوم التالي، كانت "مطابخ" المؤتمر العالمي تعمل لتجهيز خطط تؤكد على ضرورة التشبث بالحد الأعلى "المأمون" لمتوسط ارتفاع درجة حرارة الأرض، وهو درجتان مئويتان. وكان الجو دافئاً، والناس يقتربون من قطع الساعة الجليدية، يلامسونها، ويستغربون اللون القشدي لبعضها، على غير عهدهم بما يعرفونه من جليد، ويراقبون الفقاعات الغازية الواضحة في قلب البعض الآخر. ولا بد أن ثمة من فكر في موطنها غرينلاند، التي يتوقف مصير صفائح الجليد فيها على مدى نجاح المفاوضين المنشغلين في جلسات المؤتمر بكيفية تأمينها من الذوبان بتأثير الاحترار العالمي.
ولم تلبث رسالة ساعة الجليد أن تجسدت كأوضح ما يكون، عندما راحت "أرقامها" تذوب مع اقتراب الظهيرة محذرةً من أن نترك الزمن يذوب، فيُغرقنا الذوبان.
ولم يكن إلياسون وحده في تلك التظاهرة الفنية التي أضفت على مؤتمر باريس زخماً خاصاً، إذ انضمَّ إليه ستة فنانين آخرين. تميز بينهم النحات الأرجنتيني توماس ساراسينو، الذي عرض في قاعة ضخمة للفنون قرب مقر المؤتمر كرتين ضخمتين من الفضة والبلاستيك الشفاف، تمثلان مشروعه الفني الذي يرى أن الأرض، بعد انتهاء عصر "الأنثروبوسين"، أي زمن التغيرات المناخية التي تسبب فيها البشر، ستشهد عصراً جديداً يسميه ساراسينو "الإيروسين"، حيث سيحل الهواء محل الأرض لمعيشة البشر، فيمضون حياتهم في كرات خفيفة شبيهة بالكرتين المعروضتين، تطفو في الهواء ولا يحتاج تسييرها إلا لحرارة الشمس والأشعة تحت الحمراء المنبعثة من سطح الأرض الذي لم يعد يصلح للعيش.
وعرضت الفنانة الأوسترالية جانيت لورانس في متحف التاريخ الطبيعي في باريس تشكيلاً أعطته اسم "تنفس عميق لإفاقة المرجان"، وهو مكون من سلسلة أوعية برميلية زجاجية كبيرة، مملوءة بقطع من الشعاب المرجانية المصابة بمرض "الابيضاض" القاتل لكائنات المرجان، وهياكل كائنات بحرية، بعضها ملفوف بالشاش الأبيض كأنه مكفَّن. ويجسد العمل مرثاة للحياة البحرية، تحمل نداءً لغوث الحاجز المرجاني العظيم في أوستراليا من عواقب الاحتباس الحراري وفوضى الأنشطة البشرية.
|