Thursday 02 May 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
اليس في بلاد العجائب
هذه مساحة حرّة مفتوحة لتعليقات بيئية بين الهزل والجد
 
رجب سعد السيد نواقيس همنغواي | 21/04/2016
شاعت ترجمة رواية الكاتب الأميركي إرنست همنغواي "لمن تقرع الأجراس"، وأنا أميل إلى ترجمتها "من تنعي النواقيس". وأياً تكن التسمية، فنحن أمام أثر أدبي من كلاسيكيات الرواية العالمية، يدور في زمن الحرب الأهلية الإسبانية، وفيه ملامح حرب موازية تواجه فيها الطبيعة أشكالاً من القبح، لا تزال تواجهها حتى الآن.
 
وتشتهر إسبانيا بسلسلة جبال غواداراما، التي تمتد من شمالها الشرقي إلى جنوبها الغربي، مخترقةً السهول الوسطى في منطقة قشتالة ذات التاريخ العريق. ويغلب في تكوين الجبال الغرانيت وصخور "النيس" المتحولة، وتكسو منحدراتها غابات كثيفة من أشجار الصنوبر بأنواعه العديدة، أهمها الأسود والبحري والاسكوتلندي، التي تطلق في الجو رائحة مميزة وصفها همنغواي في روايته بأنها رائحة تكسُّر إبر أشجار الصنوبر ونسْغها الراتينجي.
 
كانت تلك الجبال مسرح أحداث "لمن تقرع الأجراس" في الشهور الأخيرة من الحرب الأهلية الإسبانية، التي خاضها بطل الرواية "روبرت جوردان"، وهو مقاتل أميركي انضمَّ إلى صفوف الفرقة الدولية التي شاركت في تلك الحرب. وكان هو خبير المفرقعات في الفرقة، ويعيش مستغرقاً في حالة من عدم المبالاة بمصيره. ويكلِّفه قائده السوفييتي بمهمة نسف جسرٍ في جبال غواداراما التي تسيطر عليها قوات النظام الفاشستي. فينضمَّ لهذا الغرض إلى قوات من أنصار الجمهوريين، متخصصة في حرب العصابات، تمركزت في كهف قرب صخرة ناتئة على حافة وادٍ صغير.
 
وتفرضُ طبيعة تلك الجبال نفسها على همنغواي في روايته، إذ لا يملك مقاتلو العصابات إلا الاستجابة لما يتبدى لأعينهم من مظاهر جمال تلك البيئة الجبلية. حتى أن جوردان لا يبدي تأففاً من عاصفة ثلجية عاتية دامت ليومين، فاكتسى الموقع كله باللون الأبيض، وكان في ذلك احتمال لأن يرصد الفاشستيون مواقع تمركزهم في الجبال. ويعلِّقُ أحد زملائه قائلاً: "الثلوج تفسدُ تمويه استحكاماتنا، غير أنها لا تخلو من جمال".
 
كما أن طبيعة حرب العصابات تعتمد على قفزات تتخللها فترات يكمن فيها المقاتلون ويجدون فيها فرصة للتأمل، فيأنسون لتلك الغيمات التي تمر بهم بعد كل ظهيرةٍ و"تتلكأ فوقهم وهي تنساب في السماء الإسبانية".
 
أما "ماريا"، حبيبة جوردان، فتفصح عن استعذابها جمال الحياة في غابة الصنوبر، حيث "تستشعر القدم وخز إبر الصنوبر، وتسمع الأذن أنين هامات الأشجار عندما تتخللها الرياح".
 
وحتى عندما يحدد "رجل العصابات همنغواي" الهدف العسكري، تملي الطبيعة مفرداتها على "الروائي همنغواي"، فيصف الجسر المطلوب تدميره بأنه "باتساع جناح طائر من الصلب"، و"لا يخلو من التماعات سطح معدني منطرح في العراء"، وهو ماثل بمظهره القاتم "قبالة بطن الجبل الخاوي أبداً".
 
وتبدأ "النواقيسُ الناعية"، وتنتهي بجملة تصفُ جوردان متمدداً على سطح تربة غابة الصنوبر في أعالي جبال غواداراما، شاخصاً إلى الأرض عند السفح. أما حاله في البداية، فكان التخطيط للهجوم على الجسر. وأما في جملة النهاية، فكان ينتظر الموت، مع اقتراب القوات الفاشية منه بعدما خابت المهمة وكسرت ساقه شظية قذيفة. ومن دون أن يدري، كانت كفه تلامس إبر الصنوبر المحيطة به، وتتحسس لحاء شجرة. كأنه يرغب في التماهي والطبيعة التي كانت شاهداً على قتاله من أجل قضية آمن بها.
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.