يراقب العالم باهتمام مواقف أقطاب السياسة الأميركية مع تصاعد السباق بين المرشحين لمنصب رئيس الولايات المتحدة. ففي الحزب الديموقراطي، تشتد المنافسة بين هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية السابقة المحسوبة على الليبراليين المعتدلين، وبارني ساندرز الاشتراكي الذي يعادي سياسات وول ستريت وينتقد الفجوة المتسعة بين أثرياء أميركا وفقرائها.
أما في الحزب الجمهوري، فالمنافسة اقتربت من الحسم بين تيد كروز المحافظ والمتشدد حول مسألة الهجرة غير الشرعية، ودونالد ترامب اليميني ذي الخطاب المتناقض والقادم من عالم الأعمال والإعلام.
انتخابات الرئاسة الأميركية ليست شأناً داخلياً فحسب، وإنما هي أمر عالمي، لأن شاغل هذا المنصب هو الأكثر تأثيراً في السياسات العالمية. ونتيجة التباين الكبير في مواقف المرشحين، ولضرورة الإسراع في تبني إجراءات فعالة، ستكون اتجاهات التصويت في هذه الانتخابات أمراً مصيرياً لإحدى أهم القضايا الدولية، ألا وهي مسألة تغير المناخ العالمي.
المرشحان الديموقراطيان يدعمان جهود الإدارة الأميركية الحالية في الحد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحترار العالمي، وما يستلزمه ذلك من تقليص الاعتماد على الوقود الأحفوري وتغيير السياسات في قطاع الطاقة.
كلينتون، بحسب بيانها الانتخابي، تعتبر أن التغير المناخي يمثل "تهديداً عاجلاً". وهي من أجل ذلك ستعمل لجعل الولايات المتحدة قوة عالمية في مجال الطاقة النظيفة، وستخفض استهلاك النفط الأميركي بمقدار الثلث، وستقود العالم خلال العقد المقبل لخفض غازات الدفيئة بمقدار 30 في المئة عما كانت عام 2005.
أما ساندرز فيعتقد أن التغير المناخي هو "أعظم تهديد منفرد" يواجه كوكب الأرض. بل أكثر من ذلك، يدعو إلى "ثورة سياسية تواجه مليارديرات الوقود الأحفوري، وتسرّع من تحولنا نحو الطاقة النظيفة". وهو يقترح قانون "التحول العادل من أجل العاملين في الطاقة النظيفة"، الذي سيساهم وفق تقديره في خلق 30 مليون فرصة عمل في قطاع الطاقة النظيفة بحلول سنة 2030.
على الجانب الآخر، يقف المرشحان الجمهوريان موقف المعترض على اتخاذ أي إجراء لمواجهة التغير المناخي، لأن ذلك سيؤدي إلى التأثير في حرية الاقتصاد الأميركي وسيتسبب في إلغاء العديد من الوظائف وزيادة الضرائب وتقييد النمو الصناعي.
كروز ينكر من حيث المبدأ حصول تغير مناخي، مستنداً في ذلك إلى "معطيات الأقمار الاصطناعية التي تشير إلى عدم حصول احترار عالمي خلال السنوات الثماني عشرة الماضية". ولذلك فإنه يجاهر صراحة بعدم إيمانه بمسألة الاحتباس الحراري، متجاهلاً الحقائق التي يردّ بها علماء المناخ على ادعاءاته، لأن المقارنة التي يتبناها هي بين سنة 1997 خلال حصول ظاهرة النينيو والسنوات التي تلتها. ولو أجرى المقارنة على مدة أطول لظهر زيف ما يدعيه.
أما ترامب فيظهر خلطاً متعمداً بين تغير المناخ وتغير حالة الطقس. عام 2013 كتب يقول: "تمتد العاصفة الجليدية من تكساس إلى تينيسي. أنا حالياً في لوس أنجلس (مدينة معروفة بدفئها) والجو هنا جليدي. تغير المناخ خدعة كاملة ومكلفة للغاية". وفي تصريح آخر يقول: "أظن أن هناك تغيراً في حالة الطقس. أنا لست مؤمناً متحمساً بتغير المناخ الناتج عن الإنسان"، أي أنه، ببساطة يعتبر أن 97 في المئة من علماء المناخ هم على خطأ وأن قلقهم حيال ارتفاع حرارة كوكب الأرض غير مبرر.
في ظل الإدارة الجمهورية للبيت الأبيض، نأت الولايات المتحدة بنفسها عن أداء دور عالمي لمواجهة الاحتباس الحراري، فكانت الدولة الأبرز التي رفضت التوقيع على اتفاقية كيوتو التي صادقت عليها معظم بلدان العالم. والغالبية الجمهورية في الكونغرس قيّدت إلى حد بعيد جهود الرئيس باراك أوباما في الوصول إلى اتفاق ملزم حول المناخ العالمي.
تُرى، كيف سيكون مصير كوكب الأرض إذا اجتمع انتخاب رئيس جمهوري مع وجود غالبية جمهورية تدعم قراراته في الكونغرس الأميركي؟