على رأي نجيب محفوظ في روايته البديعة "أولاد حارتنا": آفة أهل حارتنا النسيان!
لقد نسينا، نحن أهل حارة هذا الكوكب، أننا كنا حتى وقت قريب جداً نرى أن المستقبل قادر على أن يتكفل بذاته، وأن أنظمتنا البيئية، مع دوران الفصول، قائمة على حالها.
غير أن الحال أصبح غير الحال في غضون أجيال قليلة، والتغير يحصل الآن في غضون سنوات الجيل الواحد، وقد تعذر التوقف بما يكفي لتأمل المتاح من خيارات. هرول كثيرون منَّا وراء القول بأن النموذج الغربي هو الخيار الأفضل. لقد بدت الولايات المتحدة في عيون كثير من الناس، ولزمن طويل، رمز المستقبل، حيث المجتمع المفتوح الذي يحظى بالأمن ويرفل في النعيم ورغد العيش. وها هي الحقيقة تتبدى، فلا هو مفتوح كما كنا نتصور، ولا هو ينعم بالدرجة من الأمان واليسر التي كنا نغبطه عليها، وتبين أن نوعية الحياة الأميركية تقوم أساساً على مدى قبول بقية العالم للعملة الورقية الأميركية كمقابل لثروات الموارد الطبيعية.
ما يواجهنا من تحديات في الوقت الراهن هو بالدرجة الأولى سلوكي وأخلاقي، وليس سياسياً أو اقتصادياً. فحماية القدرات الحيوية لأرضنا، وتنوع الحياة فيها، وجمالها، أمانة في أعناقنا. وإن أخطاراً مثل تغير المناخ العالمي، وانقراض أنواع من الكائنات الحية، والنقص المتزايد في موارد المياه العذبة، هي مسائل لا يمكن أن تدركها آفةُ النسيان.
لقد شهدنا في نحو ثلاثة عقود تداعي النظام العالمي الذي تأسس بعد 1945، والذي برغم عيوبه كان يعدُ بتحقيق السلام المبني على القانون الدولي بين الأمم. فها هو الغرب، مثلاً، لا يقيس بالمعيار ذاته وهو يتعامل مثلاً مع علاقة إسرائيل بجيرانها العرب، مما يجعل المزاعم الغربية المتعلقة بنُصــرة حقوق الإنسان محل تشكك. فثمة ردة إلى نظام عالمي كان يقوم على مبدأ أن القويّ هو صاحب الحق.
لقد كان رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري محقاً في قوله: "لا تنتظر من منقطعي الرجاء غير الأفعال اليائسة!" ويبدو أنه سيكون على أبنائنا أن يرضخوا لمستقبل يقوم على التنافس ويعيش "الفائز" فيه بحالة خوف دائم من الخاسرين اليائسين.
السؤال الذي يطرح نفسه: كيف فشلنا في حل هذه المشاكل، بالرغم من الرصيد المعلوماتي غير المسبوق الذي نمتلكه، وبالرغم من الخبرة، والموارد الطبيعية، والتقنيـات التي لم تكن متوفرة في عصور سبقت، وهي كلها عوامل كفيلة بأن تجعلنا قادرين على إيجاد الحلول المطلوبة. لكن سؤالاً آخر يسبق هذا السؤال: هل يتوفر لنا قدر كافٍ من الحكمة والذكـاء؟ إنهما، بالتأكيد، لا يتوفران لدى كثيرين من القائمين على إدارة أحوال حياتنا في هذا العالم المرهق، الذين يجدون أن أسهل خيار هو: تحريك الجيوش.
|