مات معلمي. رحل مصطفى كمال طلبه بعد 94 عاماً من النضال لأجل البيئة، التي هي يتيمة اليوم، مع غياب مؤسس مفهوم الديبلوماسية البيئية العالمية وليس فقط مؤسس برنامج الامم المتحدة للبيئة (يونيب). إنه مهندس المعاهدات البيئية الدولية الكبرى، والعالم والسياسي والمعلم والصديق.
مصطفى كمال طلبه والبيئة صنوان. فهو الذي حول العمل البيئي من شعارات وأمنيات أطلقها مؤتمر استوكهولم حول البيئة الإنسانية عام 1972 إلى معاهدات واتفاقات دولية، منذ عمل مع موريس سترونغ على تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) عام 1973، ليتولى قيادته كمدير تنفيذي حتى عام 1992. وهو أول من وضع الادارة البيئية في إطار القانون الدولي، عن طريق إطلاق المعاهدات الدولية البيئية الناظمة، التي شملت قضايا الأوزون وتغير المناخ والتنوع البيولوجي ونقل النفايات الخطرة وغيرها.
عالم حصل على الدكتوراه من "إمبيريال كولدج" في جامعة لندن عام 1948، وشغل مناصب أكاديمية وسياسية رفيعة في مصر، منها وزارة الشباب ورئاسة الأكاديمية المصرية للبحث العلمي والتكنولوجيا، قبل التحاقه بـ"يونيب".
كان معنا منذ اليوم الأول لانطلاق المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، وترأس مجلس الأمناء التأسيسي للمنتدى، وله المساهمة الكبرى في تحديد توجهاته. وكان محرراً رئيسياً لتقارير المنتدى الأولى عن وضع البيئة العربية، وظل حتى نهاية حياته يقدم المشورة بحماسة في جميع برامج "أفد".
عكف الدكتور طلبه على كتابة مذكراته، التي نُشر جزء منها حول الشق المصري والسياسي في سلسلة "كتاب اليوم" لدار الأخبار المصرية. وهو خص مجلة "البيئة والتنمية" بالجزء حول البيئة، الذي نشرته حصرياً في حلقات عامي 2013 و2014.
كان لي شرف العمل تحت قيادته والتعلم منه حين انضممت الى "يونيب" عام 1977، وفي مهمات وبرامج كثيرة منذ ذلك الوقت. أعتز أنه معلّمي وصديقي الكبير، وأشعر بالامتنان لأنه كتب لي أن أعيش في عصر مصطفى كمال طلبه.
ها نحن نودع أحد الآباء المؤسسين والقادة العظام لمجتمع البيئة والتنمية المستدامة العالمي. سنفتقد في "أفد" صديقاً ومرشداً ومعلماً مؤسساً، والبيئيون في المنطقة العربية والعالم سيفتقدون قائداً ملهماً. وإذ نشارك زوجته الدكتورة منال وولديه كامل وابراهيم وأصدقاءه جميعاً أسى خسارته، نحتفي أيضاً بإرث هذا الرجل العظيم.
|