Sunday 05 May 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
عبد الهادي النجار سد الموصل والتفكير المتفائل | 14/03/2016

أعلنت الحكومة العراقية عن توقيعها عقداً مع شركة إيطالية لحقن أساس سد الموصل بالإسمنت وإجراء أعمال الصيانة لمدة 18 شهراً، على أن تبدأ الشركة عملها اعتباراً من شهر نيسان (إبريل) 2016. وكانت أصوات كثيرة ارتفعت محذرة من ازدياد مخاطر انهيار السد نتيجة وجود مشاكل في طبقات التربة التي يستند عليها.

 
سد الموصل، الذي يوصف بأنه "أخطر سد في العالم"، هو سد ترابي ذو نواة غضارية (طينية) يستند إلى قاعدة من الركام الصخري. وقد طرحت فكرة بنائه عام 1950 لحماية بغداد وعدد من المدن العراقية الكبرى من مخاطر فيضان نهر دجلة، إضافة إلى تخزين مياه النهر لري الأراضي الزراعية في المواسم الجافة ولتوليد الكهرباء.
 
منذ عام 1950 وحتى تاريخ مباشرة العمل في التنفيذ مطلع 1981، تعاقب على دراسة موقع السد نحو عشر شركات استشارية عالمية. وقد أبدت هذه الشركات مخاوف من الطبيعة الجيولوجية للمواقع المقترحة للسد شمال مدينة الموصل، حتى أن المجلس العالمي للسدود (IBD) أوصى عام 1974 بإجراء المزيد من التحريات الجيولوجية لدراسة منطقة المشروع، وهذا ما حصل خلال السنوات الأربع التالية.
 
في عام 1978 تم تكليف شركة سويسرية لتكون استشاري المشروع، حيث تغيّر تصميم السد باستبدال بنية جسمه من الركام الصخري إلى الردم الترابي، وجرى اتخاذ بعض الترتيبات لتأمين حقن أساسه بالغراوت (مونة من الإسمنت الناعم) إضافة إلى مركبات أخرى، بهدف ملء الفراغات التي تتكون أسفل السد نتيجة الطبيعة الكارستية (التكهفية) لطبقات التربة التي يغلب عليها الجبس وتتخللها توضعات من المارل (غضار متحول) والحجر الكلسي القابل للانحلال.
 
السؤال الذي قد يطرحه البعض: إذا كانت المشاكل الجيولوجية المعقدة لموقع السد معروفة للجميع، فلماذا تم اتخاذ قرار بنائه؟ سؤال تصعب الإجابة عليه. من حيث المبدأ، الهندسة المدنية هي فن وعلم في نمذجة مواد لا نفهمها تماماً إلى أشكال لا نستطيع تحليلها بدقة لتقاوم حمولات لا يمكن توقعها بثقة تامة. التصميم الهندسي هو مسألة تقبل الكثير من الاحتمالات وتقوم على توقع المخاطر والتخفيف منها في إطار قيود فنية ومالية لا تضمن زوال الخطر كلياً.
 
هناك الكثير من العوامل التي ساهمت في تحديد موقع السد في منطقة الموصل، ومن بين هذه العوامل الاعتبارات السياسية والتنموية. كما أن اتخاذ قرار بناء السد ترافق مع تصاعد الأزمة بين العراق وإيران، وكانت فترة بنائه خلال حرب الخليج الأولى التي استنزفت الاقتصاد العراقي. وبالتالي فإن السد الذي بلغت كلفته بعد التعديل ما يقارب ستة بلايين دولار بأسعار اليوم كان مصدر ضغط مالي على الموازنة العراقية المتقشفة.
 
في الظروف الاعتيادية، يميل الناس إلى التفكير المتفائل (wishful thinking) الأقرب إلى الوهم، حيث يتم ترجيح الاحتمالات الإيجابية على تلك المتشائمة. ويصبح هذا النمط من التفكير هو السائد خلال الأزمات، كما كانت الحال خلال فترة بناء السد. حتى في وقتنا الحاضر، ظهر من يصرّح أن "احتمال انهيار سد الموصل هو واحد بالألف، وهذه الدرجة من الخطر موجودة في جميع سدود العالم"، تصريح مرده التفاؤل فقط من دون أي سند علمي.
 
تحصل مثل هذه المشاكل الهندسية المرتبطة بسوء التقدير وفشل التوقعات ليس في العراق وحسب، وإنما في جميع أنحاء العالم. وإذا كان لنا أن نذكر نموذجاً على مثل هذا الفشل، فليكن إنشاء مطار كانساي على جزيرة اصطناعية في خليج أوساكا في اليابان. مشروع هذا المطار لا يمكن وصفه إلا بالفضيحة الجيوتكنيكية بكل المقاييس، حيث تم تصميم الجزيرة من أجل هبوط في أساساتها مقداره 5.7 متر، وها هي الجزيرة قد غاصت أكثر من 10 أمتار وتستمر في الهبوط.
 
ما زال سد الموصل صامداً منذ ثلاثين عاماً بفضل ترتيبات حقنه يومياً بالإسمنت. ومع ذلك لا يمكن النظر إلى هذا السد إلا كخطر جاثم يتطلب علاجاً جذرياً، وليس فقط إجراءات علاجية موقتة كما هو معتمد حالياً.
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.