النفايات المنزلية: التصدير ليس خياراً (الجزء 1)
التقليل، الفرز، التدوير، المعالجة، الطمر
بقلم د. مازن بشير
بعيداً عن النزاع السياسي والمصالح المتضاربة، هناك منهجية متطورة ومثبتة عالمياً وسبق أن تمّ اختبارها وتجربتها لمعالجة النفايات البلدية الصلبة في الدول، وذلك بمعزل عن مستويات التنمية لديها. ولكن إذا تمكنا من صرف النظر عن الاضطرابات السياسية والارتباكات البشرية، فإن مفهوم ومبادئ الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة تبدو في الواقع وسيلة فعالة لمعالجة تلك النفايات، ليس في مدينة بيروت فحسب بل في جميع أنحاء لبنان. ونحن نرى مدناً يفوق عدد سكانها 6 أو 8 مرات عدد سكان كل لبنان قد تمكنت من معالجة نفاياتها البلدية من دون التسبب في أي اضطرابات. أولسنا نحن اللبنانيين قادرين على محاكاتها؟
يمكن تعريف إدارة النفايات الصلبة بأنها النظام المرتبط بضبط توليد النفايات الصلبة وتخزينها ونقلها ومعالجتها والتخلص منها، بما يتفق مع المبادئ المثلى للصحة العامة والاقتصاد والهندسة وحماية الطبيعة والجماليات والاعتبارات البيئية الأخرى، وبما ينسجم والسلوكيات العامة.
في هذا الإطار، تشمل إدارة النفايات الصلبة جميع المسائل الإدارية والمالية والقانونية والتخطيطية والهندسية التي تعنى بالحلول المطروحة للمشاكل التي تعترض معالجة النفايات الصلبة. وقد تشمل الحلول العلاقات المعقدة والمتداخلة في مختلف الاختصاصات والمجالات، كالعلوم السياسية والتخطيط المدني والإقليمي وجغرافية المناطق والاقتصادات والصحة العامة وعلم الاجتماع والديموغرافيا ووسائل الاتصال وحماية البيئة، فضلاً عن الهندسة وعلوم المواد، وباختصار: كل ما هو لبناني.
مما لا شك فيه أن الطريقة الأكثر فعالية للحد من مخاطر النفايات تتركز على أمرين:
1. تجنب إنتاج النفايات بقدر ما يكون ذلك ممكناً
2. إنشاء أنظمة فعالة للتدوير وإعادة الاستخدام
وهنا لا بد من تطوير هذه الأنظمة، وعلى الناس فهم طبيعة نفاياتهم والاقتناع بأن مشاركتهم في الانخراط بنظام معالجتها إنما هو مسؤولية وواجب وطني.
المفهوم الأساسي الذي تقوم عليه إدارة النفايات هو "التسلسل الهرمي للنفايات"، بحيث يأتي في أعلى الهرم النهج الأكحثر فعالية لإدارة النفايات. وهو مفهوم معترف به ومطبق عالمياً ويمكن إيجازه على الشكل الآني:
من الواضح أنّ التخلص من النفايات (الاعتماد على المطامر) هو من الحلول والخيارات الأقل تفضيلاً. وبالتالي، تركز أي خطة لإدارة النفايات البلدية الصلبة على استبعاد هذا الخيار أو الحد منه. وتأتي المعالجة كخيار ثانٍ أقل تفضيلاً، وهو في الواقع يخضع لمزيد من الدراسة. غير أنّ إدارة النفايات تبدأ فعلياً في المنزل، وبالتحديد انطلاقاً من مفهوم تقليل النفايات أو تجنب إنتاجها حتى قبل فرزها في المصدر، وهو أمر أساسي لتخفيفها وإعادة إستخدامها وتدويرها.
تهدف هذه المقالة إلى توفير الأسس الفنية والتقنية لتمكين الناس من إتخاذ قرارات سليمة، مع الأخذ بعين الاعتبار العناصر المذكورة أعلاه، لتحديد الطريقة الفضلى لحل ملف النفايات نهائياً في لبنان، أو على الأقل بدء العمل على حله.
الإدارة المتكاملة لمعالجة النفايات الصلبة في لبنان
نظراً إلى تنوع المناطق في لبنان، من القرى النائية والصغيرة إلى المدن الكبيرة بما فيها العاصمة بيروت، والأخذ بعين الاعتبار المعوقات والتحديات اللوجستية، يبدو جلياً أن من الضروري اللجوء إلى مزيج من الطرق. فاختيار طريقة إدارة النفايات يعتمد على النطاق الذي تتواجد فيه هذه النفايات.
والجدير بالذكر أن الخيارين الأخيرين في أسفل الهرم، أي الخيارين الأقل تفضيلاً، هما في الواقع المطامر والمعالجة. فليس من قبيل المصادفة أن يعترض الجمهور اللبناني على هذين الخيارين، لمصلحة إعادة التدوير وتدابير مثل الفرز في المصدر. لكن سوء فهم الطريقة المثلى أدى إلى تمويه الخط الفاصل بين الرفض والسيطرة.
في حين أن مبادئ الإدارة المتكاملة للنفايات لا تشجع على إقامة المطامر، إلا أنها قطعاً لا ترفضها، بل تتوخى الحد من الاعتماد عليها، خاصة حيث تندر المساحات لإقامتها.
هكذا تم تطوير الخطة وفقاً للأولويات، كما يبينها الرسم البياني التالي للنهج العام المتبع في إدارة النفايات الصلبة. وبهدف حل مشكلة النفايات في لبنان، لا بد من دمج جميع هذه العناصر ضمن مخطط شامل يتماشى والرسم الهرمي لإدارة النفايات ويناسب خيارات المعالجة الملائمة لكل منطقة معنية.
بحسب ما يتبين أعلاه، تتمثل الطريقة الفضلى لإدارة النفايات بتجنب إنتاجها أو تخفيفها من المصدر. وهذه هي المهمة التي تقع على عاتق كلّ منّا للبدء بها في منزله، بل هي بالتالي تسبق الترويج السائد حالياً لممارسة "الفرز من المصدر".
وتنطوي عملية الحد من النفايات على تخفيض الكمية التي ينتجها المجتمع، وتساعد على التخفيف من توليد نفايات مضرة وغير قابلة للتحلل، دعماً لجهود الترويج لمجتمع أكثر استدامة.
ويتضمن الحد من النفايات أيضاً إعادة تصميم المنتجات وتغيير الأنماط الاجتماعية المتعلقة بالاستهلاك وإنتاج النفايات.
وتتمثل الطريقة الأكثر صداقة للبيئة والأكثر فعالية من حيث الكلفة الاقتصادية في مواجهة المشكلة في المقام الأول، إذ لا بد من النظر إلى تقليل إنتاج النفايات على أنه المحور الأساسي الذي تقوم عليه استراتيجيات إدارة النفايات.
وقد تتطلب الإدارة السليمة للنفايات تخصيص الكثير من الوقت والموارد. وبالتالي، من الضروري فهم منافع تقليل النفايات وكيفية تطبيق هذه الخطوة في جميع القطاعات الاقتصادية بالطريقة الفاعلة والآمنة والمستدامة.
لذا، من الضرورة القبول بأن إدارة النفايات الصلبة عالمياً تقوم بشكل أولي على المطامر. وغني عن القول بضرورة تصميمها وتشغيلها بطريقة صحية.
وعلى الصعيد العالمي، تزداد صعوبة إيجاد المطامر، تماماً كما هي الحال في لبنان، بحيث تتوافر العناصر الآتية:
- ملاءمة الموقع الجيولوجي
- حيث يكون استعمال الأرض محدوداً أو معدوماً
- أن لا تقع في نطاق المناطق السكنية
ولقد تحقق تقدم في تكنولوجيات المعالجة للحد من تأثير المطامر، سواء عبر جعل النفايات أقل ضرراً على البيئة، وتقليل الحاجة إلى مساحات ثمينة. فيتم تصميم المنتجات المعالجة بحيث يمكن إعادة إستعمالها أو تدويرها، أو التقليل من كميتها لتخفيف العبء الملقى على المطامر.
الدكتور مازن بشير أستاذ محاضر في كلية الهندسة في الجامعة الأميركية في بيروت واستشاري في معالجة مياه الصرف والطاقة البديلة.