مع نهاية العام 2015 رفعت المملكة العربية السعودية الأسعار المحلية لحوامل الطاقة، بما فيها الغاز والبنزين والكيروسين والديزل والكهرباء، كما قامت بزيادة أسعار مياه الشبكة العامة (التي لا تستخدم للشرب عادة)، وتطبيق ضرائب على المشروبات الغازية ومنتجات التبغ.
الأسعار الجديدة التي أقرتها الحكومة السعودية تبقى منخفضة كثيراً مقارنة بمثيلاتها العالمية والإقليمية، مع أنها شهدت زيادة تراوحت بين خمسين وثمانين في المئة مقارنة بأسعار العام 2015.
على سبيل المثال، ارتفع سعر ليتر الديزل الخاص بوسائط النقل بمقدار 80 في المئة من ربع ريال أو 25 هللة (6.7 سنتات) إلى 45 هللة (12 سنتاً)، في حين أن سعره يتراوح بين 27 و56 سنتاً في بقية دول الخليج، أما سعره الوسطي العالمي فهو بين 80 و90 سنتاً.
أما الكهرباء المخصصة للمنازل فلم تشهد أية زيادة في شرائح الاستهلاك الدنيا التي تقل عن 4000 كيلوواط ساعي شهرياً، فالمنزل المتوسط الذي يستهلك ما مقداره 2000 كيلوواط تكون قيمة استهلاكه 100 ريال فقط أي أقل من 27 دولاراً شهرياً، وهذه الكلفة تقل كثيراً عن السعر الوسطي العالمي الذي غالباً ما يزيد عن 200 دولار للكمية ذاتها.
إن قراءة متأنية للتعديلات السعرية التي أجرتها الحكومة السعودية تشير إلى أن ما قامت به هو إجراء محدود الأثر لمراجعة سياسة الدعم الحكومي لأسعار الطاقة والمياه، فالمملكة التي تنفق نحو 107 بلايين دولار سنوياً على الدعم، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، بالكاد ستوفر عشرة بلايين دولار من مجمل مبلغ الدعم بعد زيادة الأسعار. رقم قد يبدو كبيراً مقارنة بميزانيات الدول ذات الاقتصادات الصغيرة، ولكنه يعتبر متواضعاً أمام العجز المتوقع في الميزانية السعودية لسنة 2016 والمقدر بـ 87 بليون دولار.
لقد تناول تقرير "الاستهلاك المستدام من أجل إدارة أفضل للموارد في البلدان العربية" الصادر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) مسألة الدعم الحكومي لأسعار الطاقة والمياه والغذاء، ومما جاء فيه أن الحكومات العربية تعتمد على الدعم كنوع من الحماية الاجتماعية تحقيقاً لأهداف كثيرة تشمل الحد من آثار الفقر، وحماية السكان من صدمات تقلبات أسعار السلع، وتوزيع ثروة الموارد الطبيعية، ودعم المنتجين بهدف توفير فرص العمل وتعزيز التنافسية في الأسواق العالمية، وأسباب أخرى يمكن استنتاجها من فكرة أن الدعم يعزز بشكل أو بآخر العقد الاجتماعي بين الحكومات والسكان.
إن الأسعار شبه المجانية لمصادر الطاقة لا تعزز سوى الهدر والإسراف لدى المواطنين والوافدين في السعودية، ولذلك فإن خفض الدعم يبدو حلاً مغرياً لإقلال النفقات من خلال تشجيع الناس على إعادة التفكير في أنماط الاستهلاك التي يطبقونها.
لكن في المقابل، علينا أن نتذكر أن المملكة تعاني من تباينات كبيرة في الأجور والرواتب، وأن نحو 70 في المئة من العمالة الوافدة يعملون بأقل من ألف ريال شهرياً، وبالتالي فإن نحو ثلث سكان المملكة (وافدين ومواطنين)، على أقل تقدير، هم من الفئات العالية الحساسية تجاه أي تغير في سياسات الدعم، وهذه نسبة مرتفعة تستوجب الكثير من الحذر كما تستلزم النظر في توفير الحوافز والبدائل لها.
إن تعديل سياسات الدعم وتغيير التوجهات الاقتصادية من دون دراسة معمقة وتقييم متواصل لآثارها يؤدي إلى منعكسات خطيرة قد تصل إلى تهديد استقرار المجتمعات وتماسكها. ومن هنا تظهر أهمية الخطوة المتأنية التي قامت بها المملكة، فنجاحها ليس في مقدار المال الذي توفره فحسب، وإنما في مدى مرونة المجتمع وقدرته على تقبل هذه الخطوة وطبيعة استجابته لما قد يستتبعها من إجراءات.
|