Thursday 26 Dec 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
رجب سعد السيد كيف عُقد قران البحث العلمي على التنمية | 14/01/2016
قبل أن تظهر المقاربة القائلة بضرورة تلازم برامج البحث العلمي وخطط التنمية (R&D)، انشغلت الأوساط الأكاديمية والسياسية الأميركية طويلاً بالجدل حول طبيعة العلاقة بين الأساسي والتطبيقي من العلوم، وكان المطروح هو (R or D)، وليس (R&D). وحدث في العام 1906 أن أصدر ماكين كاتل، محرر مجلة "ساينس" الأميركية، دليلاً للمشتغلين بالبحث العلمي في الولايات المتحدة، كان الأول من نوعه، واشتمل على 4000 سيرة لأفراد لهم إنجازات عملية بحثية، من غير العاملين في المؤسسات الصناعية. فقد كان المستقر لدى واضع هذا الدليل أن البحث العلمي هو ما يجري في المختبرات الأكاديمية من أبحاث أساسية في علوم الطبيعة والطب والنفس البشرية. وكان ذلك في زمن لا يسأل فيه المجتمع إلا: هل يكون البحث العلمي في مجالات بحتة، خالصة لوجه العلم، أم يتخذ الصفة التطبيقية؟
 
وجاء الرئيس الأميركي هربرت هوفر، بعد ذلك بعقدين في العام 1927، قبل تقلده الرئاسة، ليعلن أن البحوث الأكاديمية البحتة هي التربة اللازمة لنمو الحضارة البشرية. فتحددت لعقود تالية ملامح مجموعتين من البحوث: البحتة والتطبيقية، من دون رابط يجمع بينهما.
 
وكان المستخدم قديماً في وصف عملية البحث العلمي تسميات أخرى، من صنف الاستكشاف (investigation) والتدارس (inquiry). ثم طاب للأكاديميين أن يستخدموا اصطلاح "البحوث الأساسية" لتعزيز وجهة نظرهم القائلة بأن لصنعتهم الدور الرئيسي في عملية التقدم. ومن حقهم أن يقولوا بذلك، غير أنهم وجدوا في الحكومات من يعارضهم، على نحو ما فعل وزير الخزانة الأميركي في خمسينات القرن الماضي، وكان اسمه هارولد سميث، الذي راح يسخر من عنوان برنامج مقدم للحكومة الأميركية لدعم البحوث الأساسية، وكان عنوانه "العلوم - آفاق بلا حدود"، فيضع كلمة "إنفاق" مكان "آفاق".
 
اللافت أن الصناعة، في بادئ الأمر، كانت مصابة بالحساسية تجاه البحث العلمي عموماً، ناهيك عن أبحاث العلوم الأساسية. ثم حدث أن أجرى المجلس القومي الأميركي للبحث العلمي عام 1920 استقصاء للرأي، ترك الحرية للمشاركين فيه أن يحددوا ما يستحق أولوية الإنفاق من فروع البحث العلمي. واستمرت هذه المقاربات حتى أوائل الأربعينات، وكان لها تأثيرها في أن يقبل رجال الصناعة على أبحاث العلوم الأساسية، ولكن بشيء من التردد. ولم يلبث رجال البحث العلمي أن أقنعوا الشركات بتأسيس مختبرات فيها. وراجت مقولة أن لا غنى عن أبحاث العلوم الأساسية من أجل التنمية الصناعية. ومنذ ذلك الوقت ارتفعت أسهم اصطلاح "التنمية" الذي كان يخلو منه الخطاب العام في الأوساط العلمية والصناعية من قبل. وكان استقصاء المجلس القومي الأميركي للبحث العلمي قد خلص إلى أنه: إن كان ثمة توجه لتطبيق البحث العلمي فلن يكون إلاَّ إلى التنمية.
والجدير بالانتباه أيضاً أن اصطلاح "تنمية" مشتق من الفعل "نما، ينمو، نمواً"، وهو مرتبط بخاصة نمو الكائنات الحية وتطورها، وقد جيء به من حقول علوم الحياة إلى عالم الصناعة في وقت متأخر من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث راحت الأحاديث تدور حول "التنمية الصناعية التي لا سبيل إليها إلا عن طريق البحث العلمي". ولم يلبث اسم "التنمية" أن راج وعُرفت به أقسام في الشركات الكبرى كانت تسمَّى سابقاً المختبرات التجريبية أو التقنية.
 
ولم تلبث التنمية، قرب منتصف القرن العشرين وتحديداً بعد العام 1945، أن تحررت من الجمع بينها وبين البحوث الأساسية والتطبيقية في حزمة واحدة، وبات يُنظر إليها كمجال له شخصيته. وكان ذلك كفيلاً بأن تتميز تدابير وأنشطة البحوث عن تدابير وأنشطة التنمية. غير أن إدراك ذلك كان عسيراً على أولي الأمر، الذين راقهم أن ينحتوا الاصطلاح المختصر R&D، ليعود البحث العلمي (R) فيقترن بالتنمية (D)، ولتتداخل تدابيرهما وأنشطتهما. وكان أول ظهور لهذا الاصطلاح في تقرير علمي قُدِّم إلى الرئيس الأميركي عام 1947.
 
فلعلنا نسعى إلى عقد قران برامجنا التنموية ومراكزنا البحثية. ولتكن أول خطوة نقوم بها في هذا السياق معالجة مراكزنا الصناعية من داء الحساسية ضد البحث العلمي، وإقالة أي وزير مالية من صنف هارولد سميث.
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.