تعتبر الفراشة الزرقاء الضخمة من أجمل الفراشات في العالم، وتصنّف حالياً على أنها "شبه مهددة بالانقراض" وفقاً للاتحاد الدولي لصون الطبيعة. تنتشر موائل هذه الفراشة في أوروبا والقوقاز وأرمينيا وأجزاء من روسيا وكازاخستان والصين. وهي تتميز عند اكتمالها بأجنحة زرقاء مرقطة بدوائر سوداء يقترب اتساعها من ستة سنتيمترات.
تم تسجيل أول مشاهدة لهذه الفراشة في بريطانيا عام 1795. لكن مع مرور السنين بدأت أعدادها بالتراجع، على رغم إجراءات الحماية المشددة التي طبقها البريطانيون للحفاظ عليها، بما في ذلك تخصيص محميات مسيجة لها ومنع الزراعة ورعي المواشي في أماكن تواجدها. وفي عام 1979، أُعلن انقراض الفراشة الزرقاء في بريطانيا، الأمر الذي أثار الكثير من التساؤلات عن أسباب انقراضها وفشل جهود حمايتها.
للإجابة عن هذه التساؤلات، قام فريق علمي من جامعة أكسفورد بدراسة النظام البيئي الذي تعيش فيه الفراشة الزرقاء. ومع أن النمط العجيب الذي تتبعه هذه الفراشة لإكمال دورة حياتها معروف منذ عام 1915، إلا أن الدراسة التي قام بها هذا الفريق أوضحت بشكل جلي الدور السلبي لإجراءات الحماية المطبقة ومساهمتها المباشرة في انقراضها.
تقوم أنثى الفراشة الزرقاء الضخمة بوضع بيوضها على براعم نبات الزعتر البري. وبعد أن تفقس البيوض، تبدأ اليرقات بثقب ثمار الزعتر وتلتهم البذور الناضجة بشراهة كبيرة للحصول على الطاقة اللازمة لبقائها على قيد الحياة.
بعد نحو أسبوع من تناول البذور، تسقط اليرقات إلى الأرض، وتبدأ بإفراز مركب كيميائي عضوي (فرمون) يجتذب نوعاً محدداً من النمل الأحمر. فيقوم النمل الأحمر بحمل اليرقات ونقلها إلى داخل عشه، وذلك تحت تأثير الفرمون الذي يشبه في رائحته رائحة ملكة النمل.
تخضع يرقة الفراشة الزرقاء داخل عش النمل لما يسمى بـ"تأثير الملكة". فعندما يكون العش من دون ملكة، تحظى يرقة الفراشة الزرقاء بمعاملة تفضيلية مقارنة بيرقات النمل، وتزداد فرصها بالنجاة. وعندما تكون ملكة النمل على قيد الحياة داخل العش، تتعرض اليرقة في كثير من الأحيان لخطر القضم من النمل والموت، شأنها شأن يرقات النمل الملكية.
لا تكتفي يرقة الفراشة داخل العش بمحاكاة رائحة ملكة النمل، بل تقوم أيضاً بمحاكاة صوتها طالبة الطعام، ما يدفع النمل إلى قتل يرقات النمل لتغذية يرقة الفراشة. وأحياناً، تقوم اليرقة نفسها بالتغذي على يرقات النمل من دون مساعدة من أحد.
بعد عدة أشهر، تبدأ يرقة الفراشة بالتحول، وعندما تصل إلى أكبر حجم لها تدخل في مرحلة "العذراء" تحت حماية حراسها المضللين من النمل. وعندما يكتمل تحولها، تتسلق إلى خارج عش النمل وتفرد أجنحتها لتحلق كفراشة مكتملة رائعة الجمال، لأسابيع قليلة، قبل أن تتكاثر وتموت في النهاية.
ما يميز الفراشة الزرقاء الضخمة أن حياتها لا تعتمد على أي نوع من النمل، بل على نوع محدد منه هو نمل "ميرميكا" الذي يتطلب شروطاً خاصة من درجات الحرارة والرطوبة ليسود وينتشر في الأراضي التي تعيش فيها الفراشة. وقد بينت دراسة فريق أكسفورد أن إجراءات التسييج ومنع الرعي زادت في طول النباتات ضمن المناطق المحمية، مما أدى إلى تغير ظروف الحرارة والرطوبة على الأرض، وتراجع أعداد نمل ميرميكا، وبالتالي تسبب ذلك كله في انقراض الفراشة الزرقاء في بريطانيا.
لحسن الحظ، كان انقراض هذه الفراشة ضمن بريطانيا وحدها، وليس في جميع الدول الأوروبية التي تستوطنها هذه الحشرة. لذلك بدأت الجهود لإعادة توطينها في بريطانيا، مع الأخذ بعين الاعتبار المتطلبات الدقيقة للنظام الإيكولوجي الذي يضمن استمرارها، بما في ذلك السماح بالرعي المنظم ضمن المحميات. ويبدو أن الأمور تسير بشكل جيد.