ما هي أفضل الطرق للسطو على بنك والنجاة من دون عقاب؟ سؤال يراود الباحثين عن الثروة بأسرع الطرق. إذا كنت تظن أن الجواب هو في السطو المسلح، فنصيحتي لك هي أن تتوقف عن مشاهدة أفلام "آل باتشينو" وتفكّر بطريقة عملية تخلو من الإثارة والتشويق.
لقد قرأت العديد من الكتابات التي تناقش هذا السؤال، ليس بهدف التخطيط لسرقة بنك بطبيعة الحال، ولكن للاطلاع على الأساليب التي يتبعها البعض للتحايل على القوانين، وللتعرف على "التجارب الملهمة" التي يقومون بتطويرها والإفادة منها في أكثر من موضع ومجال.
في المحصلة، وجدت جواباً لهذا السؤال في عنوان كتاب من تأليف الحقوقي والأكاديمي الأميركي وليام بلاك: "أفضل طريقة للسطو على بنك هي أن تمتلك بنكاً"، وقد صدر عام 2005 ضمن مطبوعات جامعة تكساس.
يشرح الكتاب بطريقة علمية الأساليب التي اتبعها المدراء التنفيذيون للبنوك في التحايل على القوانين الأميركية من أجل بناء ثرواتهم الخاصة خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي والتي أدت إلى ما ااصطلح على تسميته "أزمة الادخارات والقروض".
بعد سنتين على صدور هذا الكتاب، طفت إلى السطح أزمة مالية أخرى هزّت العالم وعُرفت بـ "أزمة الرهن العقاري"، وقد كانت بشكل أو بآخر نتيجة لأساليب التحايل والخداع التي طبقها المدراء التنفيذيون لاختلاس الثروات من البنوك التي يقومون بإدارتها.
برهنت الوقائع والأحداث أن أمهر من يخرق القوانين وينجو بفعلته هم أولئك الموكل إليهم إنفاذ هذه القوانين والعمل على تطبيقها. فهم الأكثر معرفة بثغراتها وطرق التحايل عليها والتكسب منها. إن مقولة "حاميها حراميها" لا تنطبق على الأفراد فحسب، بل تجدها في غالب الأحيان منهجاً رسمياً يتبناه أصحاب القرار في إدارة المؤسسات لتحقيق "الصالح العام" من وجهة نظرهم.
يخطئ من يظن أن غالبية الإدارات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في قطاع البيئة في الدول النامية، وأشباهها، هي مجرد "مؤسسات بريستيج"، أو أنها جوائز ترضية توكل إدارتها إلى ممثلي الجماعات الأقل تأثيراً أو أصحاب المناصب السابقين.
دورها أهم من ذلك بكثير. هي واجهة رسمية لإسباغ الشرعية على جميع الممارسات غير البيئية التي تقوم بها الإدارات الحكومية الأخرى. وفي أحسن الأحوال هي صوت المعارضة البيئية التي لا تجرؤ على تجاوز الدور المرسوم لها تحت طائلة تقليص هوامشها واقتطاع المزيد من أدوارها الحقيقية.
كيف لمؤسسات غير مستقلة فعلياً أن تمارس أدوارها في حماية البيئة وضبط الملوثين، وميزانياتها تكاد لا تكفي رواتب موظفيها ونفقاتها الإدارية؟ كيف لمؤسسات تجرّد من صلاحياتها البيئية ذات الثقل ويتم إلحاقها بمؤسسات أخرى أن تستحق دورها الفاعل في نظر المواطن البسيط؟
كيف يمكن تبرير قيام وزارات للبيئة بإصدار تعليمات تسمح باستيراد أو تصدير مواد ملوثة وفق اشتراطات تعرف مسبقاً أنها لن تطبق؟ وكيف لجمعيات بيئية ومنظمات مجتمع مدني أن تقبل بحلول شكلية مضمونها نقل التلوث من مكان إلى آخر من دون معالجة حقيقية؟
ليس بالنيات الحسنة نحمي البيئة من حولنا. فهذه النيات وحدها لا تحول دون ظهور مؤسسات بيئية تشرّع استنزاف موارد الطبيعة وتغطي على تلوثها بعيداً عن المساءلة، وبالأسلوب ذاته الذي يجعل من امتلاك بنك أفضل طريقة للسطو على موجوداته من دون عقاب.