بقلم أليساندور غالي وماتيس واكرناغل
استقطبت الشؤون المالية العامة في اليونان كثيراً من الاهتمام خلال العقد الماضي. وعندما واجهت البلاد في تشرين الثاني (نوفمبر) المراجعة الأولى لتقدمها الإصلاحي، بموجب اتفاقها الأخير مع دائنيها للحصول على ضخ جديد لأموال إنقاذية، أعيد تسليط الضوء على العجز في ميزانيتها ووضعه تحت المجهر مرة أخرى.
لكن اليونانيين يحسنون صنعاً إذا نظروا إلى نوع آخر من العجز لم ينل اهتماماً عاماً ملحوظاً ولكن قد تكون له عواقب اقتصادية لا تقل خطورة. فمثل بقية منطقة البحر المتوسط، بل العالم بأكمله، لا تعاني اليونان من عجز مالي فحسب، بل من عجز بيئي أيضاً.
ووفقاً لتحليلنا في شبكة البصمة البيئية العالمية، تستهلك البلدان المتوسطية حالياً من الموارد والخدمات البيئية مرتين ونصف أكثر مما تستطيع نظمها الإيكولوجية تجديده. وتحتاج اليونان، على سبيل المثال، إلى الموارد والخدمات البيئية الاجمالية التي تحتاجها ثلاثة بلدان مثلها، لتلبية طلبات مواطنيها على الطبيعة من أجل الغذاء والألياف والأخشاب والسكن والبنية التحتية الحضرية واحتجاز الكربون. العاصمة أثينا وحدها تحتاج من الطبيعة إلى 22 في المئة أكثر مما تستطيع النظم الإيكولوجية في البلاد بأسرها توفيره. وبعد سنوات من الركود الاقتصادي، الذي انخفضت خلاله الضغوط على الموارد الطبيعية في اليونان، عاد الطلب يرتفع من جديد ما إن أظهر نمو الناتج المحلي الإجمالي بعض التحسن.
لتحقيق تقدم اقتصادي دائم، علينا كسر هذه الحلقة بين نمو الناتج المحلي الإجمالي والاستغلال المفرط للبيئة. العجز الإيكولوجي يمكن أن يعرض مصادر الطاقة للخطر ويهدد الأمن الغذائي، مع عواقب اجتماعية واقتصادية مباشرة. وإذا أرادت اليونان وبلدان أخرى أن تضمن صحة مواطنيها ورفاههم خلال العقود المقبلة، فعليها أن تجد وسيلة لمنع النشاط الاقتصادي الحالي من أن يزيد عبء دَيْنها البيئي غير المستدام.
من أجل ذلك، يجب اعتبار الموارد الإيكولوجية ودائع قيّمة ينبغي إدارتها بحكمة. الرأسمال الطبيعي الفريد الرائع لمنطقة البحر المتوسط هو أحد أعظم أصولها، وهو ما يجعل أكثر من 200 مليون سائح يأتون إلى المنطقة كل سنة ويغذون اقتصادها. لكن الاستهلاك المفرط للموارد، أو الفشل في إدارتها بعناية، يضعف القوة الاقتصادية للمنطقة.
طبعاً، البلدان التي تعاني عجزاً إيكولوجياً يمكنها غالباً أن تسدّ جزءاً من الفجوة من خلال التجارة العالمية، إذا كان بمقدورها تسديد ثمن الواردات الضرورية. لكن، كما تعلمت اليونان مؤخراً، قد تعاني البلدان المعتمدة على الموارد الطبيعية الخارجية صدمات اقتصادية عندما ترتفع أسعار السلع أو عندما تنخفض قدرتها على التسديد. ووفق حساباتنا، فإن مجرد زيادة 10 في المئة على أسعار السلع تسفر عن خسارة الميزان التجاري في اليونان 7.6 بليون دولار، ما يعادل 0.3 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
على أي حال، الاعتماد على التجارة العالمية ليس حلاً مناسباً للمشكلة. ببساطة، لا يمكن استيراد بعض خدمات النظم الإيكولوجية، بما فيها الهواء والماء النظيفان وتخفيف حدة الأحداث المناخية المتطرفة كالفياضانات وموجات الجفاف إضافة إلى الاستخدامات الترفيهية للطبيعة.
أهم من ذلك، إذا كان ثمة بلد يستورد موارد طبيعية، فلا بد أن بلداً آخر يصدرها. وكما أن الحكومات لا تستطيع تحمل عجز مالي ضخم إلى ما لا نهاية، كذلك لا تستطيع البلدان أن تتحمل اختلالات سنوية كبيرة في ميزانها الإيكولوجي من دون أن تستنزف رأسمالها الطبيعي، وهذا يؤدي إلى إضعاف صحتها الاقتصادية.
لحسن الحظ، فإن بلداناً مثل اليونان ليست عاجزة عن التصرف. المدن توفر فرصاً واعدة للتحسن، خصوصاً في مجالات مثل النقل والسكن. والعاصمة أثينا، على سبيل المثال، هي هدف بديهي لتغيير السياسات. فمعدل البصمة البيئية لمقيم في أثينا هي أعلى من المعدل الوطني، وأعلى من معدل بصمة المقيمين في مدن متوسطية أخرى مثل برشلونة وإزمير وباليرمو وفالنسيا. وقطاع النقل هو العامل الأكبر في هذا التباين، ما يعني أن التدابير السياسية التي تعزز النقل العام أو المشي يمكن أن تخفض العجز الإيكولوجي لمدينة أثنيا.
مجال آخر على اليونان أن تنظر في اتخاذ إجراء حياله هو الغذاء. فالنظام الغذائي المتوسطي الذي عمت شهرته العالم، الغني بالخضار والفواكه وزيت الزيتون والسمك، ليس صحياً فقط، بل أقل إرهاقاً للبيئة. ومع ارتفاع استهلاك اللحوم والمواد الغذائية المصنَّعة في أرجاء منطقة البحر المتوسط، سوف يساعد تجديد التركيز على التراث الغذائي في تخفيف الحمل عن الموارد الطبيعية العالمية وتعزيز صحة الناس في الوقت نفسه.
وإذ تعمل حكومة اليونان على إحياء اقتصاد دمرته الكارثة المالية، وتحسين رفاهية الجميع، فإن المسار الذي تسلكه نحو ازدهار طويل الأجل يجب ألا يؤدي إلى مزيد من التدهور البيئي. فاليونان لن تتحمل عواقب التصدي لعجز على حساب عجز الآخر.
أليساندرو غالي مدير مبادرة البحر المتوسط والشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شبكة البصمة البيئية العالمية (GFN)، وماتيس واكرناغل مؤسس ورئيس الشبكة.