انتهت قمة المناخ في باريس باتفاق وصفه الكثيرون بأنه تاريخي، حيث أجمع ممثلو نحو مئتي دولة على ضرورة التعامل بجدية مع مشكلة التغير المناخي، وذلك من خلال الالتزام المشترك لتحقيق الهدف الذي تم وضعه في مؤتمر المناخ في كوبنهاغن 2009، وهو الحفاظ على درجة حرارة كوكب الأرض مع نهاية هذا القرن بحيث لا تزيد أكثر من درجتين مئويتين عما كانت قبل بدء الثورة الصناعية، وأن تعمل الدول لتحقيق هدف طموح بألا تتجاوز الزيادة 1.5 درجة مئوية.

 

لندرك أكثر ماذا تعني زيادة درجة حرارة كوكب الأرض درجة ونصف درجة. يكفي أن نتمعن جيداً في الكلمة التي ألقاها إينيل سوبواجا، رئيس وزراء توفالو وهي دولة جزيرة في المحيط الهادئ، أمام المشاركين في قمة باريس، ومما جاء في هذه الكلمة:

 

"لا يوجد زعيم هنا يستطيع القول إن جميع أراضي بلاده وجميع مواطنيه سوف يختفون إذا سمحنا لدرجة الحرارة أن تزيد بأكثر من درجة ونصف درجة. لا يوجد قائد يحمل هذا القدر من القلق والمسؤولية مثلي. ضعوا أنفسكم مكاني: ماذا ستفعلون؟ ألتمس منكم أن نفعل الشيء الصواب، فمستقبل أبنائنا يتم تحديده في باريس. هذا هو الوقت المناسب كي نقف معاً لنرسم مستقبلنا. لنقم بذلك من أجل توفالو، فإذا نجحنا بالحفاظ على توفالو فإننا بكل تأكيد سنحافظ على العالم".

 

لم يكن لاتفاق باريس أن يرى النور لولا العديد من التسويات والتنازلات التي قدمتها الأطراف المشاركة، والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاث مجموعات: مجموعة الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومجموعة الدول الصاعدة كالصين والهند والبرازيل، ومجموعة الدول النامية والدول الأكثر تأثراً بالتغير المناخي. موقف الدول العربية، خاصة النفطية، كان يميل أكثر إلى صف مجموعة الدول الصاعدة التي سعت إلى تخفيف القيود والالتزامات تجاه مسألة خفض الانبعاثات.

 

بموجب هذا الاتفاق، تم إلزام الدول المتقدمة والدول النفطية بتقديم دعم مالي سنوي قابل للزيادة لا يقل مبدئياً عن 100 بليون دولار اعتباراً من سنة 2020، وذلك من أجل مساعدة الدول النامية على تغطية متطلبات انتقالها إلى الطاقات النظيفة وتطبيق إجراءات خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. نقطة الضعف في هذا الالتزام عدم تحديد شكل ومجال هذه المساعدات، وبالتالي فإن نفقات إرسال خبراء أو تصدير معدات منتهية الصلاحية يمكن تصنيفه مثلاً على أنه مساعدات لخفض الانبعاثات.

 

مكسب الدول المتقدمة كان في إلزام جميع الدول، وبشكل خاص الدول الصاعدة، بتطبيق خفض الانبعاثات من دون أن تتحمل الدول المتقدمة ما اصطلح على تسميته "المسؤولية التاريخية" عن التلوث الذي تسببت به اعتباراً من بدايات العصر الصناعي قرابة العام 1850. وبالتالي استطاعت الدول المتقدمة التملص من مسألة التعويض عن الضرر الذي تسببت به، بحيث أن هذا الاتفاق "لا يشكل قاعدة لتحميل المسؤوليات أو المطالبة بتعويضات".

 

في المقابل، استطاعت الدول الصاعدة التأكيد على مبدأ العدالة في تطبيق التزامات باريس، وذلك من خلال "المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة" لجميع الأطراف. وهذه نقطة ضعف أخرى في الاتفاقية، والبحث في تفاصيلها يفتح أبواباً واسعة للخلاف حول حجم المسؤولية التي سيتحملها كل بلد في مواجهة تغير المناخ. أيضاً، استطاعت الدول الصاعدة وفي مقدمتها الهند ضمان أن مساهمتها في خفض الانبعاثات يجب أن تحافظ على استدامة نمط المعيشة والاستهلاك الذي حققته.

 

اتفاقية باريس ستحل محل بروتوكول كيوتو الذي ينتهي العمل به بحلول سنة 2020. وتقييم آثار هذه الاتفاقية الجديدة ومراجعة أهدافها لن يكون قبل 2025 أي بعد عشر سنين. فهل يحق لنا من الآن أن نفرح بما تم تحقيقه من إجماع على الورق في باريس؟ ربما، لكن العبرة تبقى دائماً في النتائج وما يتم تحقيقه على الأرض.