Thursday 02 May 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
رجب سعد السيد عربات تشارلز ديكنز | 20/11/2015
كان الناس حتى أواخر القرن 18 يميلون للسكون. وكانت الدائرة التي يقضي فيها الإنسان كلَّ عمره غير قادر على أن يتعدى محيطها، لا يزيد قطرها في المتوسط عن بضعة كيلومترات. وكانت الحياة في أوروبا شبه جامدة لعدم وجود وسائل نقل موثوق بها، فقد كان النقل البري معتمداً كليةً على الحيوانات، ولم يكن متاحاً إلا للميسورين الذين يملكون القوة المحرّكة: الخيول.
 
وحتى بعد أن عرف الإنسان آلة الاحتراق الداخلي في أواخر القرن 19 وأوائل القرن العشرين، لم تختفِ الجيـاد، وبقيت وسيلة جـرٍّ اعتيادية. ومـرَّ على الحضارة البشرية زمن ليس بالقصير كانت تستخدم خلاله خليطـاً من وسائل النقل: مركبات الجياد، مركبات المحركات البخارية، محركات الاحتراق الداخلي، المحركات الكهربائية. ويبدو أن نفراً ممن عاصروا ذلك الزمن لم يكونوا يأملون في تطور وسائل النقل، فها هـو رئيس أحد البنوك الأميركية يقف ضد تمويل مشروع لشركة "فـورد" عام 1903، ويشكك في قيمة المركبات الآلية المستحدثة، فيقول: "وُجـد الحصــان ليبقـى، أمَّـا الســيارات فهـي مجـرد بدعـة".
 
أسقط الزمن ظنون المشككين، الذين لم يستطيعوا إدراك أن "المركبة التي تسير آلياً على عجلات" كانت أكثر من بدعة محكوم عليها بالزوال، كانت حلماً دفعت الحاجة البشر لتحقيقه. فوُجدت السيارة، الآلة والأسطورة، التي تحولت إلى رمز من رموز المجتمع الحديث، تعزز إيقاعات الحياة فيه، وتفرض مجالاً فسيحاً من القواعد والممارسات والسلوكيات الفردية والجماعية الآخذة في الترسُّــخ. أصبحت السيارة، في بضعة عقود، المحرِّك الأساسي لاقتصاديات السوق، لأنها تشبع مجموعة من الحاجات والرغبات والمقتضيات والخيالات التي تجسِّــد تطلعـات الإنسـان العصـري، والتي يمكن تلخيصها في كلمات قليلة: تحقيق حرية حركته الشخصية، تحكمه في المحرِّك الآلي، إحلال القدرة الحصانية محل الحصــان.
 
إن تأملاً متأنياً يملي عليك إحساساً بأن معظم الطاقة التي توفرت للبشر، على مرِّ تاريخ حضارتهم، قد استُهلك في نقل الأشياء من موقع إلى آخر. وكان ذلك يتم طوال آلاف من السنين بسرعة منخفضة جداً لم تزد على خمسة كيلومترات في الساعة. ولما استأنس الإنسان الحصان واستخدمه للحمل والجر، لم تزد هذه السرعة زيادة محسوسة. فمع أن حصان السباق يمكنه أن يتجاوز سـرعة 60 كيلومتراً في الساعة لفترات زمنية قصيرة جداً، إلاَّ أن حركته بطيئة وهو يجرُّ العربات المحملة بالناس ومنقولاتهم. وأسـرع هذه العربات، تلك التي رأيناها في " قصة مدينتين" وغيرها من روائع تشـارلز ديكنز، لم تكن تتجاوز سرعتها 15 كيلومتراً في الساعة على الطرق التي كانت موجودة قبل القرن 19.
 
ظل البشر في معظم تاريخهم لا يعرفون سرعة خارج المدى بين كيلومتر و15 كيلومتراً في الساعة. وفجأةً، حدث انقلابٌ في منتصف القرن العشرين، فتضاعفت سرعة النقل عشرات بل مئات المرات.
 
ولا يلبث التأمل أن يذهب بنا إلى الاندهاش حين نجد أن البشر لم ينسوا قدرات عضلاتهم، حتى وهم يرفلون في نعيم حضارتهم التكنولوجية. فلا يزال الحمَّـالون هم وسيلة النقل في بعض طرق كولومبيا الوعرة مثلاً، يخترقون الأدغال الموحلة وهم يحملون فوق ظهورهم الركاب والمنقولات. إنهم الـ "باسيورس"، الحمالون الذين وصفهم واستخدمهم المستكشف وعالم التاريخ الطبيعي الألماني ألكساندر فون هومبولت خلال رحلته إلى كولومبيا في القرن التاسع عشر. ومع أن عددهم يتقلص تدريجياً مع تحسُّـن الطرق والجسور، فقد كان لكثافة النباتات والأنهار في المنطقة الفضل في الإبقاء على تلك المهنة.
 
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.