يبدأ بعد أيام قليلة مؤتمر الأمم المتحدة الحادي والعشرون لتغير المناخ الذي تستضيفه العاصمة الفرنسية باريس. الغاية من هذا المؤتمر، حسب الجهة المنظمة، هي الوصول إلى اتفاق دولي حول مواجهة تغير المناخ من قبل جميع أمم الأرض، وذلك لأول مرة في تاريخ محادثات المناخ العالمية منذ أكثر من عشرين عاماً.
الاتفاقية التي يسعى العالم لتحقيقها بنتيجة مؤتمر باريس هي خفض انبعاثات غازات الدفيئة إلى المقدار الذي يسمح بعدم تجاوز معدل حرارة كوكب الأرض درجتين مئويتين زيادة عما كان قبل فترة النهضة الصناعية. هدف يبدو صعب التحقيق مع وجود فجوة متزايدة بين الإجراءات الفعلية التي تقوم بها الدول ونتائج القياسات والمراقبة الدائمة لتركيزات غازات الدفيئة في الجو.
ولعل أبرز مؤشر على عدم التزام الدول بتعهداتها في اتخاذ الترتيبات المناسبة لخفض غازات الدفيئة هو ما أعلن عنه "معهد التنمية لما وراء البحار" في بريطانيا من أن الدول الأعضاء في مجموعة العشرين "أنفقت على دعم الوقود الأحفوري نحو أربعة أمثال ما أنفقته على دعم الطاقة المتجددة"، ما يبعث على التشكيك في مدى التزام هذه الدول بقضية مكافحة تغير المناخ.
عندما نتحدث عن مجموعة العشرين فنحن لا نتحدث فقط عن تجمع الدول الذي يتحكم بنحو 80 في المئة من التجارة العالمية وخمسة و85 في المئة من الناتج العالمي ويضم ثلثي سكان الأرض، بل نتحدث أيضاً عن أكثر الدول إصداراً لانبعاثات غازات الدفيئة بما فيها الصين والولايات المتحدة والهند. ولذلك فإن عدم جدية هذه الدول في مواجهة مشكلة الاحتباس الحراري يعني بالنتيجة فشلاً على المستوى العالمي وتهديداً لمستقبل البشرية جمعاء.
لقد أثبتت مصادر الطاقة المتجددة أنها بديل مجد ومنافس للوقود الأحفوري في توليد الكهرباء. وتم التعاقد رسمياً لتنفيذ محطات لتوليد الكهرباء بالاعتماد على الطاقة الشمسية بكلفة 6 سنت/دولار للكيلوواط، أي أرخص من الكهرباء المنتجة من الوقود في بلدان كثيرة. لكن الدعم المالي الذي تتلقاه محطات الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري يخل بالتنافسية مع مصادر الطاقة المتجددة.
لتوضيح مدى التباين بين السياسات المعلنة عربياً والإجراءات المطبقة لمواجهة تغير المناخ، يكفي أن نقارن أسعار الوقود الأحفوري في البلدان العربية مع السعر العالمي. يبلغ سعر ليتر الديزل (المازوت) عالمياً نحو 90 سنتاً أميركياً، ولكن معظم الدول العربية تدعم أسعار الديزل لاعتبارات اجتماعية واقتصادية، فتجده يباع في الأسواق بسعر يقل عن 50 سنتاً، حتى أن هناك ثلاث دول عربية تبيع ليتر الديزل بأقل من 15 سنتاً، والمفارقة أن تجد في إحداها سعر ليتر ماء الشرب يزيد عن سعر ليتر الديزل!
إن الدعم المبالغ فيه لأسعار الوقود الأحفوري يعني بالنتيجة استهلاكاً غير رشيد لهذا الوقود. قلما تجد، مثلاً، من يفكر في تركيب منظومة لتسخين المياه بالاعتماد على الطاقة الشمسية التي تتميز بها بلداننا، وذلك لأن الكهرباء التي يستخدمها في تسخين الماء في منزله هي شبه مجانية. والمحصلة زيادة انبعاثات غازات الدفيئة على الرغم مما يروج له من اهتمام بمشكلة تغير المناخ وما يعلن عنه من تجارب ومشاريع رائدة في مجال الإفادة من الطاقات المتجددة هنا وهناك.
المسؤولون في دول العالم، ومن ضمنهم المسؤولون العرب، بحاجة إلى مراجعة سياسات دعم الوقود الأحفوري كأحد السبل لتحقيق الغايات التي يجتمعون من أجلها في باريس. ومن ذلك إعادة توزيع الدعم على الجهات الأكثر استحقاقاً، وتطبيق الدعم على شرائح ترتبط بمعدلات الاستهلاك، بهدف أن يكون الدعم أخضر يحافظ على استدامة المحيط البيئي فلا يتسبب في تلوثه ولا في استنفاد موارده.
|