فوجئ اللبنانيون ذات يوم من تشرين الأول (أكتوبر) 2015 بالغنى البيولوجي الاستثنائي الذي ينعمون به. فقد أصدرت وزارة البيئة تقريرها الوطني للتنوع البيولوجي، وفيه أن لبنان، الصغير بمساحته، يضم 21,7 في المئة من التنوع البيولوجي العالمي: 9116 نوعاً من الكائنات النباتية والحيوانية.
كيف ذلك؟ هذا يعني أن في العالم نحو 42 ألف نوع فقط من النباتات والحيوانات! لكن ما يقوله العلماء إن هناك نحو ثمانية ملايين نوع من النباتات والحيوانات في العالم. وفي وسع أي مستخدم للإنترنت أن يستكشف ذلك بكبسة زر، على مواقع المنظمات المعنية بالتنوع البيولوجي وعلى مواقع علمية كثيرة.
عدت إلى التقرير، عبر الرابط الذي تضمنه الخبر الصحافي الذي وزعته وزارة البيئة ونشرته صحف ووكالات لبنانية وعربية وعالمية، لعل الخطأ هو في الخبر الصحافي، أو لعله خطأ مطبعي.
ولكن لا. فقد ورد في الصفحة 15 من التقرير نفسه أن لبنان يضم 21,7% من التنوع البيولوجي العالمي، مع ربط هذه النسبة بالجدول 2 في الصفحة 16 من التقرير، الذي يبين كل مجموعة من الكائنات الحية في لبنان ونسبتها من المجموعة العالمية (زواحف 0,8%، طيور 0,06%، أسماك بحرية 1,2%، ثدييات 1,38%، برمائيات 0,15%، لافقاريات 0,27%، نباتات مائية 7,06%، نباتات برية 1,5%). ويبدو أن حساب النسبة 21,7% تم بجمع النسب الواردة في الجدول، بدل المتوسط الموزون للنسب الفردية. ولعل رقماً مثل 0,5 في المئة يكون أقرب إلى المعقول.
أليس مفترضاً أن يعد التقرير الوطني للتنوع البيولوجي في لبنان خبراء يعرفون على الأقل حساب النسبة الذي يدرسه تلاميذ الصفوف الابتدائية؟
صحيح أن لبنان غني جداً بتنوعه البيولوجي. وأنا لا أشكك في عدد الأنواع التي ذكرها تقرير وزارة البيئة. وهذا العدد من الأنواع النباتية والحيوانية نادر في مساحة صغيرة مثل مساحة لبنان، المتنوع بساحله وسهوله وجباله العالية. وهو يتحفك بنظام إيكولوجي مختلف كلما ارتفعت نحو 500 متر.
لكن إذا كان لبنان يضم 21,7 في المئة من التنوع البيولوجي في العالم، الذي يضم كما ذكرنا نحو 8 ملايين نوع من النباتات والحيوانات، فهذا يعني أن في لبنان نحو مليوني نوع!
في رد على حديث معي حول الموضوع نشرته صحيفة «النهار»، ادعت وزارة البيئة أن ما حصل خطأ مطبعي. فإذا كان كذلك حقاً، فما هو الرقم الصحيح؟ لو كان الخطأ مطبعياً لذُكرت النسبة الحقيقية في الرد.
المشكلة ليست في خبر صحافي، بل في ان الخبر صدر في بيان رسمي من وزارة البيئة، مع تفاخر بنسبة الـ 21,7 في المئة، وهو يستند الى معلومات وردت حرفياً في تقرير للوزارة، من المفترض ان «خبراء» أعدّوه، وتم دفع عشرات آلاف الدولارات وربما أكثر لإعداده.
الخطأ ليس صغيراً ليمر ببساطة. فالخطأ في الحساب يكون بالجمع والطرح والضرب والقسمة، ولكن ما حصل هو خطأ في القاعدة نفسها. ما ورد في التقرير يشبه مثلاً أن تقول إن الدخل الفردي السنوي في لبنان هو 400 ألف دولار، بينما هو نحو 10,000 في المتوسط. وفي هذه الحال يمكن لأي شخص أن يعرف أن هذا خطأ.
فكيف لم ينتبه أي فهيم إلى التضخيم الذي حصل في التقرير الوطني للتنوع البيولوجي في لبنان؟
السؤال ما زال برسم وزارة البيئة، التي أعدته بالتعاون مع مرفق البيئة العالمي وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة وشركة «الأرض».