راجت في الأعوام القليلة الماضية أحاديث عن وجود تباينات في مقدار الانبعاثات الناتجة من محركات الديزل، بين ما يتم قياسه في المختبر وما يجري تسجيله على الطرقات. هذا الأمر لم يكن غريباً، نظراً للظروف والعوامل التي تتعرض لها السيارات، خصوصاً في الشوارع المزدحمة حيث تكثر التوقفات وتتغير أطوار المحرك بشكل مفاجئ ومتكرر.
وقد دفعت هذه الملاحظات إلى اقتراح في العام 2013 لقياس انبعاثات السيارات على الطريق وعدم الاكتفاء بقياسها في مراكز الاختبار. وبدأ هذا الاقتراح يجد طريقه نحو الضوء في ولاية كاليفورنيا الأميركية، حيث تم تشكيل فريق من مجلس النقل في الولاية وعدد من الموظفين السابقين لدى وكالة حماية البيئة الأميركية لتقييم هذا الاقتراح.
لم يتوقع أحد من أعضاء هذا الفريق الإمساك بسيارات فولكسفاغن أو أي شركة أخرى بحالة غش، وإنما كانت أفضل تقديراتهم أن سيارات الديزل الأميركية ستبرهن أنها ذات انبعاثات أقل مقارنة بنظيرتها الأوروبية بفضل معايير الانبعاثات الأكثر تشدداً في الولايات المتحدة. كانت غايتهم غير المعلنة هي الضغط وإحراج الشركات الأوروبية لتصنيع سيارات أكثر انسجاماً مع المعايير البيئية الأميركية.
بدأت الاختبارات بسيارتي "بي إم دبليو إكس 5" و"فولكسفاغن جيتا"، وانضمت إليهما سيارة "فولكسفاغن باسات" بعد أن تطوّع مالكها بتعريضها للاختبار إثر مشاهدته إعلاناً حول التجربة. وهكذا سارت الاختبارات على الطرقات وفي تضاريس وظروف طبيعية متنوعة، حيث ظهر سريعاً تخلّف المؤشرات البيئية لسيارتي فولكسفاغن مقارنة بمؤشرات سيارة بي إم دبليو.
المدهش أن الأداء البيئي السيئ لسيارتي فولكسفاغن في الطرقات المزدحمة لم يتحسّن كثيراً بعد السير على الطرقات المنبسطة والسريعة. إلا أن المفاجأة الأكبر كانت عندما تم وضع هاتين السيارتين على جهاز الحركة الذي يسمح بتشغيل السيارة ودوران عجلاتها في مكانها، حيث جاءت قياسات التلوث سليمة لا تشوبها شائبة. وهنا بدأت الشكوك تزداد.
عام 2014 تم إبلاغ وكالة حماية البيئة الأميركية بنتائج الاختبار والشكوك التي تدور حول سيارات فولكسفاغن. وقامت الأجهزة التنفيذية في ولاية كاليفورنيا بفتح تحقيق حول الموضوع، فاستدعت ممثلين عن شركة فولكسفاغن وأطلعتهم على نتائج الاختبار وطلبت شرحاً حول هذا التباين.
كان رد ممثلي الشركة مراوغاً، فحاولوا إيجاد ثغرات في الدراسة والمنهجية المتبعة، مع اتهام معدّيها بأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. ثم قدموا العديد من التبريرات لهذا التباين، كأحوال الطقس وأنماط القيادة والاعتبارات التقنية المختلفة. وكلما قدم ممثلو الشركة تبريراً، كان فريق الدراسة يعود إلى المختبر ويعاود التجارب، فتأتي النتائج إياها من دون تغير معتبر.
في الجولة الرابعة والأخيرة قدمت الشركة عرضاً بأن تستدعي سياراتها من موديلات بين العامين 2010 و2014، من أجل إجراء صيانة خدمية لإصلاح هذه المشكلة عن طريق تحديث البرنامج الإلكتروني (Software) لهذه السيارات. وقد حصلت سيارات الاختبار على هذا التحديث، لكن وضعها موضع الاختبار أظهر أن هذا الإجراء لم يحل مشكلة الانبعاثات.
عادت المواجهة من جديد بين فريق ولاية كاليفورنيا وممثلي شركة فولكسفاغن الذين أصروا على أن المشكلة هي في القائمين على الاختبار وليست في السيارات. عند هذه المرحلة غيّر فريق ولاية كاليفورنيا تكتيكه بالانتقال لتفحّص برنامج السيارة. ومع أن هذا البرنامج يحوي ملايين السطور البرمجية التي تنظّم آلية عمل السيارة، إلا أن الفريق وقف مذهولاً أمام مجموعة من السطور التي بدا أنها تدير أجهزة التحكم بالانبعاثات.
وللتحقق من تأثير هذا الاكتشاف، قام فريق الدراسة بوضع خطة لخداع برنامج السيارة، بحيث تكون جميع العوامل كالضغط والاهتزاز تشير إلى أن السيارة تسير على الطريق في حين أن القياسات تجرى فعلياً في المختبر. وفي النتيجة بدأت سيارات فولكسفاغن داخل المختبر تطلق انبعاثات تفوق المسموح به من أكاسيد النيتروجين.
عند هذه المرحلة بدأت الضغوط تزداد على الشركة، مع التلويح بسحب الموافقات على موديلات فولكسفاغن وأودي لسنة 2016. وهذا ما دفع الشركة أخيراً للرضوخ والإعلان في 3 أيلول (سبتمبر) أنها قامت بتركيب جهاز لخداع أنظمة اختبار الانبعاثات في نحو 500 ألف سيارة في الولايات المتحدة، اعتباراً من العام 2009 عندما رفعت شعار "الديزل النظيف" مع وعود بمستقبل أكثر صداقة مع البيئة.
لمعلومات إضافية: