يتعرّض نحو 16 شخصاً في الولايات المتحدة لهجمات أسماك القرش كل سنة، وتموت ضحية واحدة كل سنتين.أما عالمياً فلا أحد يعرف العدد الحقيقي لهجمات أسماك القرش وضحاياها، لأن معظم الدول النامية لا تقوم بتوثيق ظهور هذه الأسماك وتتجنب الإعلان عن هجماتها.
هذه السنة، اتفقت مجمل التصريحات الرسمية في مصرعلى نفي وجود أسماك القرش على شواطئ الإسكندرية ومرسى مطروح والقرى السياحية المطلة على البحر الأحمر، في حين ضجّت وسائل الإعلام الفلسطينية بعشرات الصور ومقاطع الفيديو تحت عناوين مثل "سمك القرش يغزو شاطئ خان يونس"، علماً أن مدينة خان يونس تبعد أقل من عشرة كيلومترات عن الحدود المصرية. هكذا نستنتج أن أسماك القرش تجيد استخدام خرائط "غوغل" فتقف عند الحدود الدولية ولا تتجاوزها.
في سورية، جرى التأكيد رسمياً أن ظهور أسماك القرش أمر طبيعي، إذ يوجد منها نحو 45 نوعاً تعيش في البحر المتوسط. أما الصور التي يتم تداولها لأسماك قرش ضخمة فهي لنوع "غير مؤذ"، ويمكن للناس ممارسة أنشطتهم البحرية من دون خوف. شخصياً، سأكون مرعوباً للغاية لو شاهدت زعنفة مثلثة الشكل على ظهر سمكة سردين تسبح بقربي، فما بالك بلقاء مع سمكة قرش لطيفة طولها سبعة أمتار وعرض فمها يزيد عن متر ونصف متر؟
علاقة البشر بالحيوانات قائمة على التجارب والتصورات المسبقة التي يهيمن عليها الحذر والخوف. قصة الذئاب التي ربّت فتى الأدغال "ماوكلي" ستسقط أمام قصة الذئب الذي افترس جدة "ليلى"، وهكذا ستجد الجميع يخشى الذئاب حتى لو كانت جراء بيضاء زرقاء العيون بالكاد تحبو. في المقابل، تجد من اعتاد حياة البرية وأجاد التعامل مع حيواناتها المفترسة فعرف طباعها وتعايش معها من دون خوف أو وجل.
يعيش في فرنسا 65 مليون شخص وأكثر من 31 مليون سمكة زينة و11 مليون قط و7 ملايين كلب، ولا يشمل ذلك الحيوانات الشاردة ولا كلاب الحراسة والصيد. وقد أظهر مسح للرأي أن نحو 40 في المئة من الفرنسيين يعتبرون أن كلابهم هي أهم شيء في حياتهم ويفضلونها على أصدقائهم.
وقد وقع أحد أصدقائي كان ضحية لهوس الفرنسيين بالكلاب، التي تصادفها في كل مكان خلال زيارتك إلى فرنسا. ويبدو أن تجاربه السابقة طوّرت لديه حالة من رهاب الكلاب تسمى "سينوفوبيا". صحيح أن الكلب الذي قابلناه، حين كنت أسير معه في أحد الشوارع، كان كلباً جميلاً من نوع تيرير يشبه "ميلو" كلب "تان تان"، لكن نباحه كان صاخباً لا يتناسب مع حجمه الضئيل.
حاول صديقي أن يبدي شجاعة مصطنعة، فاقترب من الكلب الصغير مستهزئاً وهو يقول: "هذا الكلب يمثل ظاهرة صوتية لا أكثر ولا أقل. هو عبارة عن حنجرة مكسوة بالفراء". إلا أن الكلب كان يريد من نباحه الاستعانة على شجاعة صديقي الظاهرية، إذ ظهرت لنا ستة كلاب صغيرة لبت نداء زميلها، وأحاطت بصديقي في دائرة ضيقة، ثم أخذت تنبح تجاهه بشكل هستيري. لم أعرف كيف أتصرف، فللمرة الأولى أشاهد شخصاً يؤدي الرقصة الإيرلندية الشعبية بإتقان أمام جوقة من الكلاب، يقفز في الهواء وقدماه تكادان لا تلامسان الأرض.
أنهى صديقي فقرته الراقصة بعد حضور صاحب الكلاب الذي أبعدها عنه. عبثاً حاولت أن أقنعه أن هذه الكلاب غير مؤذية ويمكنه أن يمارس أنشطته البرية معها من دون خوف، لكنه لم يقتنع. قلت له إن الكلاب الشرسة تجيد استخدام خرائط غوغل وهي لن تقترب منه، لكنه لم يصدق. سألته عن "الظاهرة الصوتية والحنجرة المكسوة بالفراء"، فأجابني أن هذه الأوصاف تنطبق على البشر ولا تصح على الكلاب.
|