أظهر بحث جديد نشر في المجلة العلمية المحكّمة Biophysical Journal أن السم الذي يفرزه الدبور البرازيلي "بوليبيا" للقضاء على البكتيريا يحتوي على جزيء يسمى MP1 يستطيع استهداف الخلايا السرطانية والتسبب في تدميرها من دون التأثير على الخلايا السليمة.
وتشير النتائج المخبرية إلى أن MP1 قد يكون علاجاً محتملاً للسرطان في المستقبل نتيجة تأثيره على الأغشية الخلوية. فهو يعمل على توسيع المسام في هذه الأغشية بشكل كبير يؤدي إلى تسرّب المادة الحيوية مثل RNA والبروتينات، مما يتسبب في موت الخلية المصابة. وهذا ما يجعله مرشحاً لمزيد من الأبحاث التي قد تقود إلى إنتاج علاج للسرطان في غضون بضع سنوات.
من المعروف أن كثيراً من الاكتشافات الطبية الهامة تحققت من خلال دراسة الوسائل الدفاعية والعلاجات الطبيعية التي تستخدمها الكائنات الحية. ولعل أشهر هذه الاكتشافات المضاد الحيوي المعروف باالبنسيلين الذي ينتجه عفن البنسيليوم. وقد لاحظ أثره الباحث الاسكوتلندي ألكسندر فليمينغ عام 1928، وجرى عزل جزيء البنسيلين واستخدامه بشكل واسع بعد عشر سنوات، ويُنسب إليه الفضل في الإقلال من عدد ضحايا الحرب العالمية الثانية.
لقد كان لدراسة الكائنات الحية دور حاسم في تطوّر الحضارة الإنسانية، ليس في الطب وحده بل في جميع مناحي الحياة. على سبيل المثال، اخترع الإنسان الطائرات بعد مراقبته للطيور ودراسة أسلوبها في الطيران. ومعظم التقدم في هذا المجال حالياً يتم استلهامه من كائنات حيّة صغيرة كالعصفور الطنّان واليعسوب. ومن ذلك أن بحثاً تم نشره عام 2003 أظهر قدرة اليعسوب الاستثنائية على إجراء التمويه الحركي أثناء الطيران بطريقة تجعل فرائسه تظن أنه ثابت فيما هو ينقض لمهاجمتها.
أسرار الحياة تكمن بحق في الكائنات الحية نفسها، من كبيرها إلى صغيرها، بما فيها الفيروسات والجراثيم. ويعتقد كثير من العلماء أن الكائنات الحية على سطح الأرض مرّت بخمس حوادث انقراض كبرى على مر التاريخ، وكان أوسعها في العصر البرمي قبل 248 مليون سنة الذي انتهى بانقراض 96 في المئة من الأنواع الحيّة، وما نشاهده من أنواع الكائنات الحية حالياً هو من سلالة الأنواع الأربعة في المئة التي نجت من هذا الانقراض الجماعي.
تُرى ماذا لو لم تنقرض كل هذه الكائنات؟ ما هو مقدار المعرفة التي فوّتها البشر نتيجة حوادث الانقراض؟ يعتبر العديد من العلماء أن عصرنا الحالي دخل مرحلة الانقراض الجماعي السادس. وستكون خسارتنا المتسارعة للأنواع الحية خسارة كبرى للعلوم والمعارف لجيلنا وللأجيال القادمة التي لن تتاح لها الفرصة لدراسة كل ما يحيط بنا حالياً من عالم حيواني وعالم نباتي.
إن انقراض كائن حي واحد كالدبور البرازيلي أو عفن البنسيليوم أو اليعسوب قد لا يختلف كثيراً من الناحية المعرفية عن فقدان نفائس مكتبة الإسكندرية القديمة أو إغراق محتويات مكتبة بيت الحكمة في بغداد. فهل نعي حقاً حجم الخسارة التي تحيق بنا؟
|