في العام 1979 قدّمت "مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج" أفضل برامجها الموجّهة للأطفال، وهو برنامج "افتح يا سمسم" المأخوذ عن البرنامج الأميركي الناجح "شارع سمسم". وقد جذب هذا البرنامج الأطفال وآباءهم وأمهاتهم في جميع الدول العربية وحقق نجاحاً منقطع النظير، وذلك لأسلوبه السهل في تقديم المعلومة للطفل ضمن قالب مشوّق وممتع، مع تعزيزه للسلوك الإيجابي كالتعاون والتسامح والعطف، وتعريفه الأطفال على البلدان العربية وغناها الحضاري والطبيعي.
وتم إنتاج جزء ثان ناجح من البرنامج عام 1982، وجزء ثالث أدنى نجاحاً وأقل انتشاراً عام 1989. ومما يُحسب للقائمين على البرنامج بجميع أجزائه هو اهتمامهم بغرس قواعد حفظ النعمة، كالحرص على عدم هدر المياه والاقتصاد بالطاقة، وتوعية الطفل حول قضايا البيئة الأساسية كالنظافة العامة وزراعة الأشجار والعناية بالنباتات والحيوانات، إضافة إلى عرض أشكال التنوع الحيوي في الطبيعة وخاصةً في المنطقة العربية.
على سبيل المثال، لا تزيد مدة أغنية "طير" التي عُرضت في البرنامج على دقيقتين ونصف دقيقة وهي مع ذلك تتضمن مشاهد لأكثر من خمسين نوعاً مختلفاً من الطيور، وبعضها من الأنواع المهددة بالانقراض حالياً. أما أغنية "أحبابنا سيروا" التي تمّ تصويرها في نهر دجلة ضمن مدينة بغداد فهي تعرض لغنى النهر بالثروة السمكية وتشرح فوائد الأسماك وأهميتها كغذاء للإنسان.
الجزء الرابع من برنامج "افتح يا سمسم" سيتم بثّه بعد أيام قليلة عبر يوتيوب والقنوات الفضائية. وكما الأجزاء السابقة، فقد تم إنتاجه بتمويل حكومي خليجي وبإبداع مختصين وتقنيين وفنانين من معظم الدول العربية.
بعيداً عن المقارنات القاسية التي سيجريها أهالي الأطفال وحنينهم إلى الماضي، فإن القائمين على البرنامج أمام مهمة عسيرة في تجاوز التباينات العربية العميقة التي ظهرت خلال العقود الثلاثة الماضية، وكذلك في التخلص من أدران بعض المسلسلات الكرتونية التي أفسدت أذواق الأطفال وأخلّت بعلاقتهم مع وسطهم الاجتماعي والطبيعي.
الطبيعة نفسها تغيّرت خلال هذه الفترة الطويلة. وتقديم أغنية "أحبابنا سيروا" في وقتنا الحالي مثلاً سيُنظر إليه بكثير من الشك حيال سلامة الدعوة إلى تناول الأسماك من نهر دجلة، بعدما تحوّل النهر إلى مصبّ للمياه الملوثة كيميائياً وبيولوجياً بما تحويه من عوامل ممرضة وعناصر ثقيلة.
خلال هذه الفترة ظهرت مفاهيم جديدة وتطوّرت قضايا عديدة. والمعارف التي يُفترض تقديمها لأطفال بداية الألفية الثالثة هي أكثر تعقيداً بكثير من تلك التي قدمت لآبائهم وأمهاتهم في نهاية الألفية الثانية.
فهل يكون "افتح يا سمسم" على قدر الآمال والتحديّات؟
|