كانت ولادة "أليس" سهلة للغاية، تمت في الرابع من تموز (يوليو) 1862 على ظهر قارب ينساب على صفحة مياه نهر تايمز، من خلال حكايات كان يرويها البريطاني تشارلز دودجسون الذي اعتاد توقيع كتاباته باسم "لويس كارول". وكان صديقاً لأسرة ليديل، وكان هدفه تسلية فتيات الأسرة المشاركات في الرحلة النهرية. فشدت إحدى حكاياته انتباههن، وخلبت لبَّ إحداهن واسمها أليس ليديل، وكانت تبلغ من العمر عشر سنين، فطلبت من كارول نسخة خطية من حكايته التي تحمل بطلتها اسمها، فأهداها مخطوطاً زوَّده برسوم وضعها بريشته.
كانت تلك هي البداية لرحلة أخرى في قصة "مغامرات أليس في بلاد العجائب" التي صدرت أول طبعة منها عام 1865، بعد أن أعاد كارول النظر في مخطوطته وأضاف إليها المزيد من المادة القصصية. وكانت تلك الطبعة مزودة برسوم فنان اسمه السير جون تينيل، الذي اعترض على رداءة طباعة الكتاب، مما أدى إلى سحب جميع النسخ من المكتبات، باستثناء نحو عشرين نسخة من هذه الطبعة الأولى تسربت هنا وهناك واكتسبت قيمة متحفية.
وأُعيد طبعُ الكتاب على نحو أظهر جماليات رسوم تينيل وارتباطها الوثيق بسياق القصة، فتحقق له نجاح كبير. ولم تتوقف المطابع في أنحاء العالم منذ ذلك الوقت عن إنتاج طبعات منها، في لغتها الانكليزية، ومترجمة إلى العديد من اللغات المقروءة. بل لقد طالها التزوير والتشويه في بعض إصداراتها، فظهرت أليس في طبعة نشرت عام 1929 فتاة متحررة، وفي طبعة أخرى ملونة ظهرت في ستينات القرن الماضي صورت كفتاة مولعة بتعاطي المخدرات. وظهرت "أليس في بلاد العجائب" سينمائياً أكثر من مرة، وعلى خشبة المسرح، وفي مسلسلات تلفزيونية، وكانت مصدر إلهام لمصممي طوابع البريد ومنتجي دُمى الأطفال.
معظم شخصيات "مغامرات أليس في بلاد العجائب" من الحيوانات العجيبة. بينها قط تشيشاير ذو الابتسامة العريضة، وطيور الفلامنغو التي تستخدم في القصة كمطارق في أيدي لاعبي الكروكيت. وكان لويس كارول يجيد رسم هذه الشخصيات الحيوانية لتأخذ هيئات أشخاص حقيقيين من البشر، تعرفهم الصبية "أليس" وشقيقتاها "لورينا" و"إديث" فيثير ذلك في نفوسهن البهجة.
وكانت "مغامرات أليس في بلاد العجائب" مختلفةً تماماً عن قصص الأطفال الشائعة في بداية القرن التاسع عشر، التي كان معظمها يضحي بالشكل القصصي ومتعة الحكاية في سبيل تلقين الأطفال دروساً في الأخلاقيات والآداب العامة. وهي لم تغفل هذا الجانب، ولكنها اهتمت به في ثوب من الحكي الخلاَّب، فكان لها تأثيرُها في معظم ما جاء بعدها من قصص للأطفال.
وفي مناسبة مرور 150 سنة على أول إصدار لمغامرات أليس في بلاد العجائب، أقيم في مركز هاري رانسوم بمدينة أوستن في ولاية تكساس الأميركية، وهو مركز عالمي رائد في اقتناء المخطوطات، معرض يحكي تاريخ هذه القصة التي نشأت عليها أجيال عديدة من أطفال العالم، استمر من شباط (فبراير) إلى تموز (يوليو) 2015. ضم المعرض أكثر من 200 قطعة متعلقة بتلك القصة التاريخية، بينها المخطوطة الأصلية المحفوظة في المكتبة البريطانية في لندن، وإصدارات نادرة، ورسوم، ورسائل متبادلة بين كارول والأطفال، وصور فوتوغرافية بعدسة كارول الذي كان من هواة التصوير الذائعي الصيت في عصره، كما كان شغوفاً بعلوم الحياة، مع أنه كان متخصصاً في الرياضيات وكان يُدرِّسُها في جامعة أوكسفورد. وقد دفعه هذا الشغف إلى اقتناء أحدث مجهر صُنع في عصره، استخدمه في مراقبة عينات من الكائنات الأولية واليرقات وغيرها.
|