تتعرض معظم الدول العربية وعدد من الدول الأوروبية ودول جنوب وغرب آسيا لموجة حر أودت بحياة العديد من الأشخاص. وقد عزا كثيرون هذه الموجة إلى التغيّر المناخي المرتبط بالاحتباس الحراري الناتج عن زيادة غازات الدفيئة في الغلاف الجوي. هذا الربط هو نوع من الجهل والتجهيل. هو جهل في التفريق بين مفهوم المناخ ومفهوم الطقس، وهو تجهيل للآخرين بهذا الفارق حتى لو افترضنا أن الدافع له هو التوعية حول إحدى أخطر قضايا البيئة العربية والعالمية.
الطقس هو الأحوال التي يكون عليها الجو خلال فترة زمنية قصيرة، أما المناخ فهو النمط الذي يتبعه على مدى طويل نسبياً. الطقس يمكن أن يتغيّر من دقيقة إلى أخرى، ومن ساعة إلى أخرى، ومن فصل إلى آخر. أما المناخ فهو توصيف طويل الأمد لحالة الجو في منطقة محددة، ويتم احتسابه عادة كمعدّل وسطي على فترة من الزمن تبلغ ثلاثين عاماً.
إن دراسة معدّل الهاطل المطري، وتحديد مناسيب المياه في البحيرات والمستوعبات المائية، وتحليل المعطيات التي توفرها تقنيات الاستشعار عن بعد، تتيح للعلماء أن يصفوا فصل الصيف في منطقة ما بأنه مثلاً أكثر جفافاً من المعدّل السنوي. فإذا استمرت حالة الجفاف باتجاه عام أعلى من المعدّل لعدة فصول صيف متعاقبة، فإن ذلك يشير إلى حصول تغيّر مناخي في هذه المنطقة.
إذاً موجة الحر في هذا الصيف، وقبلها العواصف الثلجية في الشتاء الماضي، هي ظروف جويّة طبيعية لا تعبّر بالضرورة عن حصول تغيّر في المناخ. وقد تم تفسير موجة الحر الحالية بزيادة الهيجان على سطح الشمس خلال الدورة الشمسية الحالية وما يرافق ذلك من دفقات حرارية هائلة تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض.
ذلك لا يعني أن الدول العربية لا تتعرض لتغيّر مناخي، إذ ان العديد من الدراسات العلمية والمنهجية أجرت تقييماً لحصول ذلك التغير وأسبابه وآثاره المتوقعة. ومنها الدراسة التحليلية التي نشرتها الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والجو NOAA عام 2011 وأكّدت فيها أن الجفاف الذي تتعرض له منطقة البحر المتوسط هو من الشدّة والتكرار بحيث لا يمكن نسبه إلى التغيّرات الطبيعية وحدها، واقترحت أن غازات الدفيئة يمكن أن تكون مسؤولة عن نصف الزيادة الحاصلة في شدّة الجفاف وتكراره بين عامي 1902 و2010.
كما أن تقرير "البيئة العربية: تغيّر المناخ" الذي أطلقه المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) عام 2009 حذّر من المخاطر الكبيرة التي ستتعرض لها البلدان العربية نتيجة تغيّر المناخ، بما في ذلك شح الموارد المائية الصالحة للشرب والزراعة، وارتفاع منسوب مياه البحار مما سيهدد الأراضي الزراعية والبنى الحضرية في المناطق الساحلية، بالإضافة إلى تراجع نوعية التربة الزراعية وانخفاض كميّة المحاصيل مما سيخلّ بالأمن الغذائي ويرفع معدلات البطالة وقد يدفع الناس للهجرة.
تغيّر المناخ العالمي هو أمر مثبت، كما أن دور البشر في إحداث هذا التغيّر مرجّح إلى حد بعيد. ولكن هذا لا يستوجب أن نتلاعب بالحقائق ونعلّق جميع الظواهر الطبيعية التي تحصل حولنا على شمّاعة الاحتباس الحراري. ومن يفعل ذلك لا يختلف كثيراً في منهجه عن أولئك الذين يعرضون معلومات كاذبة ويقدمون طروحات مضللة للتشكيك في تغيّر المناخ.
|