أي شعب من شعوب الأرض لم يُسخِّر قدرات اليورانيوم يرغبُ في ذلك، ويسعى إليه بكل ما يجده متاحاً من السبل. أما الأمم التي امتلكت هذه القدرات، فقد أصبحت لا تتصور أحوالها بغيرها، وتتطلع إلى مزيد منها. ويشترك الجانبان، من عرف اليورانيوم ومن لم يعرفه، في شعور بالرهبة. فالجميع يدرك هول الحقيقة إن اختفى وجه الفائدة وظهر وجه الخطر والأذى.
على أي حال، لن ينتهي الجدل حول الاختيار النووي، على رغم تعدد حوادث المفاعلات النووية، وآخرها كارثة فوكوشيما، التي كانت الدافع المباشر وراء إعداد فيلم وثائقي من ثلاثة أجزاء يحمل عنوان Uranium – Twisting the Dragon’s Tail (اليورانيوم: لَيُّ ذيل التنين) أنتجته شركة "جين بول" الأوسترالية وعُرضَ الجزء الأول منه يوم 28 تموز (يوليو) 2015 على شاشة محطة SBS الأوسترالية، والثاني في 31 من الشهر نفسه على شاشة محطة PBS الأميركية، أما الثالث فسيكون عرضه في 9 آب (أغسطس) على شاشة محطة ZDF/Arte في ألمانيا وفرنسا.
يبدأ الفيلم بحكاية كيفية تكون صخور اليورانيوم على امتداد العصور الجيولوجية السحيقة، مروراً بالأذى الذي تسبب فيه اليورانيوم لعمال مناجم الفضة التشيك في زمن قديم قبل أن يصير معروفاً، انتهاءً باكتشاف القوى الكامنة فيه وكيف أصبح الأساس لصنع أشد الأسلحة فتكاً التي عرفها العالم.
ويهتم هذا الفيلم الوثائقي بتوضيح مدى الترابط الذي كان بين المجموعة الصغيرة من علماء الذرة. ويتبدى ذلك مثلاً في الحفل الصغير الذي أقيم في باريس عام 1911 تكريماً لماري كوري بمناسبة حصولها على جائزة نوبل في الكيمياء، وشارك فيه أعظم علماء الفيزياء والكيمياء في ذلك الوقت. كما يفاجئنا الفيلم بعلاقة التلمذة والصداقة بين روبرت أوبنهايمر المعروف بأبي القنبلة الذرية والفيزيائي البريطاني إرنست رذرفورد، التي وفرت منظوراً جيداً لتطور الفيزياء النووية بكل ما تمخضت عنه من إيجابيات ومثالب.
ويكشف أن الحظ الطيب كان حليفاً لبعض العلماء في تحقيق إنجازات غير مسبوقة، كما في اكتشاف العالم هنري بيكريل الخصائص الإشعاعية لمركبات اليورانيوم، بعد أن لاحظ تأثيرها على ألواح تصوير فوتوغرافي كان يحتفظ بها بالقرب منها في مختبره. وكان هذا الاكتشاف نقطة انطلاق لكل ما تلاه من أعمال وأحداث متصلة بالمواد المشعة. كما يتطرق الفيلم إلى أسرار السباق النووي بين الألمان والحلفاء، وكيف تمكن الفيزيائي المجري ليو سزيلارد، الذي لفت الأنظار إلى القدرات التدميرية للتفاعلات النووية المتسلسلة، من حشد دعم العلماء والسياسيين لمشروع مانهاتن لإنتاج القنبلة الذرية قبل أن ينتجها الألمان. وانتهى ذلك السباق بأن حملت قاذفة القنابل الأميركية "إينولا غاي" القنبلة النووية التي قصفت مدينة هيروشيما اليابانية قبل 70 عاماً في 6 آب (أغسطس) 1945.
ويعود الفيلم بذاكرتنا إلى أحوال العالم في العصر الذري التالي للحرب العالمية الثانية، حيث سادت مخاوف متبادلة بين المعسكرين الشرقي والغربي باحتمالات دمار وشيك. وينتهي بمحاولة لتقييم قدرة سكان العالم الآن على تحقيق التوازن بين الحلم بمصدر للطاقة النظيفة وكابوس أن تتسمم الأرض وتغادرها الحياة.
|