تخرجت عام 1970 في قسم علوم البحار الذي شارك في تأسيسه الدكتور أنور عبدالعليم في جامعة الإسكندرية، ولكني لم أره سوى مرة واحدة خلال سنوات الدراسة، فقد كان معاراً للعمل في هيئة عالمية. وبعد سنوات طويلة قابلته في مؤتمر علمي، وسعدت بصحبته كتلميذ وصديق، حتى توفاه الله في تشرين الأول (أكتوبر) 1996.
ولا تكاد تخلو قائمة المراجع لبحث علمي منشور، في مجالات الهائمات النباتية والطحالب والفطريات البحرية، من اسمه العلمي (A.A. Aleem). وكان الرجل، طوال حياته العملية ومسيرته العلمية، مشاركاً أساسياً في الندوات والمؤتمرات العلمية المتصلة بهذه المجالات. وبالرغم من أنه كان دائم السفر، في منح دراسية، أو مهام علمية، أو شاغلاً لوظائف تدريسية وبحثية في مراكز أبحاث ومحطات بحرية عديدة في أنحاء متفرقة من العالم، إلا أن الإسكندرية كانت المركز الذي يعود إليه مهما طال السفر. وكان له حظ العمل مع واحد من أهم علماء الطحالب البحرية، هو البروفيسور ف. إ. فريتسش، وقد قام تحت إشرافه بدراسة ظاهرة إيكولوجية بحرية في الشاطئ الإنكليزي، ووضع يده على أسرارها، فمنحته جامعة لندن درجة الدكتوراه في فلسفة العلوم عام 1949. وعادت الجامعة ذاتها، عام 1970، فقلَّدته دكتوراه العلوم، وهي الدرجة العلمية الفاخرة التي تمنح للعالم نظير مجمل إنجازاته العلمية التي أَضافت إلى العلم وأثرت في مساره.
وكان أنور عبدالعليم يعتز بأنه واحد من اثنين شاركا عالم الدياتومات الألماني الشهير فريدريك هوستدت نشر ورقة بحثية. والدياتومات مجموعة مهمة من النباتات البحرية الوحيدة الخلية، تعيش هائمة في المياه السطحية للبحار والمحيطات، ويطلق عليها، عموماً، اسم الفيتوبلانكتون، أو الهائمات النباتية، وقد استأثرت بجانب كبير من اهتمامات الدكتور أنور عبدالعليم. والحقيقة أن الإنجازات العلمية للدكتور أنور عبدالعليم لم تكن محصورة في مجال واحد من مجالات علوم البحار، إذ تشير أوراقه البحثية المنشورة في كبريات المجلات العلمية المتخصصة إلى إسهاماته المتميزة والمؤثرة في مجالات : الطحالب والفطريات البحرية وحشائش البحر، وطحالب البحيرات، وعلم التصنيف، والإيكولوجي، وهجرة الكائنات البحرية من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط عبر قناة السويس، وظاهرة التتابع في تكوين الحشف، والرخويات وغيرها من اللافقاريات البحرية، وظاهرة تشبُّه الكائنات اللافقارية بالطحالب. وقد اشتغل أيضاً بأنواع من الأسماك، ودرس تأثير انخفاض الوارد من مياه الفيضان على البيئة البحرية عند مصبات نهر النيل، بعد إنشاء ســد أســوان العالي. وقد لمست بنفسي علوَّ همته ونشاطه الفائق، بالرغم من تعرضه لأزمات صحية كبيرة في سنوات حياته الأخيرة، استلزمت إجراء جراحة قلب مفتوح له. وعايشت فرحته بعثوره على نوع جديد من الشعاب المرجانية قرب مرسى مطروح وهو يمارس الغوص، وقد وصفه ونشر ورقة عنه.
ولم يكتف أنور عبدالعليم بالبحث العلمي في مجال تخصصه، بل خرج إلى دائرة أوسع، فاهتم بالآثار الغارقة وبتاريخ الملاحة عند العرب، وله كتاب فريد في المكتبة العربية عن ابن ماجد الملاّح، كما شملت اهتماماته الأخطار البيئية البحرية، وتدريس الأوقيانوغرافيا في بعض الجامعات العربية. وقبل وفاته بأسابيع قليلة أصدر كتابه "مذكرات عالِم بحار"، وهو من أعذب كتب التراجم العربية.
|