عاش المؤلف الموسيقي النمساوي الشهير ولفغانغ أماديوس موزارت حياة قصيرة، أنتج خلالها أكثر من 600 عمل، منها 23 أوبرا، و41 سيمفونية، و21 كونشيرتو للبيانو، ومن أهم أعماله السيمفونية رقم 41 (جوبيتر)، وأوبرا دون جيوفاني، والناي السحري. مات في كانون الأول (ديسمبر) 1791 وعمره 35 سنة، وأُصيبَ بعدد من الأمراض التي كانت شائعة في زمنه، منها الجدري والتيفوئيد والتهاب اللوزتين والتهابات الجهاز التنفسي العلوي. لكن ما أودى بحياته لا يزال محل جدل، وثمة شكوك في أن يكون سبب الوفاة التسمم أو مرض كلوي.
أخيراً، ظهر في هذا الشهر من يؤكد أن موزارت مات بسبب نقص الفيتامين D، إذ كان الموسيقار النمساوي العظيم لا يكاد يغادر بيته طوال نصف عام، غير منتبه لأهمية التعرض للشمس، مما جعله عرضة لتلك الأمراض التي عانى منها.
الغريب، أن الذي جاء بهذا الافتراض هو ويليام غرانت، ليس بطبيب ولكن فيزيائي متخصص بأبحاث أشعة الشمس والغلاف الجوي في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، الذي اهتم في أبحاثه بهذا الفيتامين، على مدى العقد الماضي. وفي ذلك إشارة ضمنية إلى اهتمام أبحاث الفضاء بأعراض نقص هذا الفيتامين، التي يحتمل أن يتعرض لها رواد الفضاء في رحلاتهم الطويلة، الحالية وفي المستقبل، داخل المحطات الفضائية التي لا يدخلها ضوء الشمس. ويقول "غرانت" إن كل مرض معروف حالياً له صلة بالفيتامين D، وإن ما حدث لموزارت يمكن أن يحدث لأي إنسان لا يتعرض لأشعة الشمس.
وكان الأطباء في ذلك الوقت، قبل قرنين من الزمان، أقل دراية بالمعلومات الطبية. وقد طرأت تغييرات كبيرة على التعريفات والاصطلاحات الطبية التي كانت شائعة في زمن موزارت، فلم يكن أطباء ذلك الزمن يعرفون شيئاً عن الفيتامينات، ولا البكتيريا، ولا ضغط الدم. وبالرغم من أن طاقم الرعاية الطبية لموزارت كان من أفضل الأطباء، إلا أنهم كانوا يفتقرون للمعرفة والتكنولوجيا الطبية، ففشلوا في معالجة المؤلف الموسيقي العظيم.
الجدير بالذكر أن دراسات علمية عديدة أجريت على سبب وفاة موزارت، ونشر عنها مقالٌ في عدد صدر مؤخراً من مجلة تهتم بالمشاكل الطبية لفناني الأداء المسرحي، يرى كاتبه أن مرض الكلى المزمن كان السبب في كثير من مشاكل موزارت الصحية، ومنها التهاب الحلق والعين. وكان الأطباء يلجأون إلى "إدمــاء" موزارت كوسيلة لعلاجه، ولكن يبدو أنهم تركوه ينزف أكثر من اللازم، فمات نتيجة فقر الدم الحاد، حسب رأي استخلصه داوسون في مقاله.
ويختلف "غرانت" مع ما جاء في هذا المقال، وقد توقف عند إشارة وردت فيه إلى الوقت من السنة الذي كان موزارت يمرض فيه، ووجد خطاباً كتبه موزارت يشير فيه إلى أنه في المدة من 1762 إلى 1783 كان يمرض في الفترة من العام بين منتصف تشرين الأول (أكتوبر) إلى منتصف أيّار (مايو). وهذه هي الفترة التي لا يستطيع فيها الناس في البلدان الشمالية، كالنمسا، أن يحصلوا على كفايتهم من الفيتامين D من الشمس، التي تغيب في معظم الأيام ومعظم ساعات النهار.
|