تقدّر هيئات الأمم المتحدة وفقاً لتقرير صادر عنها عام 2013 أن عدد سكان الكرة الأرضية تجاوز 7.1 بليون بشري. إلا أن الدراسات تشير إلى أن هذا العدد سيرتفع بنحو بليون بشري إضافي، ليفوق 9.6 بليون سنة 2050.
انطلاقاً من هذا الواقع، يتناول المخرج الألماني فالنتين تورن في فيلمه الوثائقي الجديد "10 بلايين، كيف نشبع جميعاً؟" الإشكاليات الآتية: هل ستتمحور الحروب المقبلة حول تأمين احتياطات النفط أو الاكتفاء الغذائي للدول؟ من أين نأتي بمصادر الغذاء لعشرة بلايين بشري؟ هل نلجأ الى أكل الحشرات السريعة التكاثر كمصدر بديل للبروتين؟ هل بإمكاننا إنتاج اللحوم اصطناعياً في المختبرات؟ هل سيلجأ الأفراد الى زراعة طعامهم بأيديهم في حدائقهم الصغيرة؟
ويوضح المخرج كذلك أن ما يتعدى ثلث الإنتاج العالمي للحبوب بجميع أصنافها يخصص لإطعام المواشي والحيوانات المنتجة للحم.
وفي حين تتجه الأنظار الى التطورات في ميادين الاتصال والتواصل الاجتماعي ومصادر الطاقة المتجددة والبديلة، يطرح تورن قضية الاكتفاء الغذائي العالمي، مشدداً على ضرورة وعي مدى صعوبة تأمين الغذاء للبشرية في المستقبل القريب. ويشير إلى أننا أمام خيارين صعبين: إما اللجوء الى إنتاج عناصر الغذاء بيولوجياً في المختبرات، وإما العودة الى الإنتاج الزراعي العضوي المحلي المعتمد على المحاصيل الموسمية، مما يعني خفض التنوع في الخيارات الشرائية تبعاً لإنتاج الزراعات المحلية.
ينتقل الفيلم الى الأرياف في القارة الأفريقية والهند ليثير إشكالية متفاقمة تهدد معظم البلدان التي هي في طور النمو، مظهراً صعوبة العيش وتأمين الغذاء اليومي للمجتمعات الصغيرة التي تعتمد على الزراعة المحلية التقليدية من دون استخدام الأسمدة الكيميائية أو البذور المعدلة جينياً. فيظهر التحقيق أن مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية باتت ملكاً لشركات أجنبية عالمية تقوم بزراعة الصويا والذرة والقمح الخاضعة لتعديلات جينية لم تتحدد بعد مخاطرها الصحية والبيئية في المدى البعيد، لتلبية حاجة الأسواق الأوروبية والأميركية في إطعام المواشي. وتستخدم تلك الشركات الكبرى هذا النوع من البذور بهدف رفع نسبة الإنتاج كماً ونوعاً، إضافة الى المكسب المادي، من دون اكتراث للعواقب المترتبة على صحة الإنسان والبيئة. ومن تداعيات ذلك فقدان القرى والأرياف الأفريقية لمصادر الغذاء المحلية المستدامة، الأمر الذي يساهم في تفاقم كارثة سوء التغذية في الدول النامية.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل من الأخلاقي أن يستمتع جزء من سكان هذا الكوكب بوجباته الغذائية اليومية على حساب لقمة الملايين في القرى والأرياف البعيدة؟
إحدى مساوئ نظامنا الاقتصادي العالمي تكمن في صعوبة ملاحقة مصادر المنتجات والمحطات التي تمر بها قبل وصولها الى رفوف المتاجر. لقد أصبح من الضروري البدء بالتفكير ملياً في تطوير نظام غذائي عالمي حديث يعيد التوازن الى كيفية تقاسم خيرات الطبيعة. لا بل إلى نظام تجاري اقتصادي يعتمد على مبدأ التبادل والمقايضة وفق الحاجات والفوائض لدى الدول. فإن تنظيم حاجات البشر الغذائية ليس بالصعب على عقول قادت البشرية الى المريخ، أو على منظمات الأمم المتحدة، إن تواجدت الرغبة لديها. إنها فقط مسألة خلق إجماع عالمي حول القضية، وإدراك جماعي بأن العدل والتوازن هما سر الطبيعة المستدامة. فضلاً عن ذلك، للتشريعات القانونية دور هام في معالجة هذه المشكلة، وقد قامت فرنسا مؤخراً بخطوة سباقة متمثلة في تغريم المتاجر التي ترمي المواد الغذائية غير المبيعة وترغمها على التبرع بها.
بناء عليه، لا بد من الإشارة الى ضرورة تطوير مناهج للأسس الزراعية يتم تعليمها في المدارس والمعاهد، خاصة في بلد زراعي كلبنان مثلاً، بغية تمكين القدرات الشابة من أساليب الزراعة السليمة وكيفية التعامل مع حالات الجفاف القصوى المتوقعة أو مع عجز الأسواق العالمية على تلبية حاجاتنا الغذائية المستوردة.
إذا بتنا كلنا نأكل، فمن يزرع؟
مجد سلهب طالب في الهندسة المدنية بجامعة كارلسروه للتكنولوجيا في ألمانيا.
|