أصدر البنك الدولي في شهر حزيران (يونيو) الماضي تقريره السنوي الذي يحمل عنوان "الكتاب الصغير للمعطيات الخضراء" وهو يعتبر بمثابة مرجع حول المعطيات البيئية الأساسية لاقتصاديات أكثر من مئتي دولة، وتم تصنيف هذه المعطيات وفق محددات تشمل الزراعة والغابات والتنوع الحيوي والطاقة والانبعاثات والتلوث والمياه والصرف الصحي.
ومما تضمنه التقرير النسب السنوية لتراكيز الجسيمات المعلقة في الهواء التي يقل قطرها عن 2.5 ميكرون PM2.5، حيث جاءت الإمارات في صدارة دول العالم بأسوأ نسبة ومقدارها 80 ميكروغرام في المتر المكعب وتلتها كل من الصين ثم قطر وموريتانيا والسعودية والكويت والبحرين بنسب 73، 69، 65، 62، 50، 49 ميكروغرام في المتر المكعب على التوالي، وهي نسب مرتفعة جداً مقارنة بنسبة 10 ميكروغرام في المتر المكعب وفق ما تقترحه منظمة الصحة العالمية كنسبة سنوية استرشادية.
إدارة جودة الهواء في وزارة البيئة والمياه الإماراتية أوضحت أنه "بحسب الدراسة السنوية التي تجريها الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي NOAA لتقييم تراكيز الجسيمات الدقيقة ذات القطر الأقل من 2.5 ميكرون PM2.5 على مستوى العالم عبر استخدام الأقمار الاصطناعية، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تتخطَ نسبة 30 ميكروغرام في المتر المكعب مما يتماشى مع الخطوط الإرشادية لمنظمة الصحة العالمية WHO".
لن نجادل فيما إذا كانت الأرقام التي أوردها تقرير البنك الدولي دقيقة مقارنة بأرقام NOAA التي تعتمد على الأقمار الصناعية أو أن نسبة 30 ميكروغرام تتماشى مع الخطوط الإرشادية لمنظمة الصحة العالمية التي توصي بنسبة 10 ميكروغرام كمعدل سنوي، ولكننا سنطرح أرقاماً أكثر دقة من كل ما سبق هي الأرقام الرسمية الواردة في تقرير حالة البيئة لعام 2015 الصادر عن وزارة البيئة والمياه الإماراتية في شهر حزيران (يونيو) الماضي أيضاً.
في التقرير سنجد أن الإمارات لديها 41 محطة رصد فاعلة لنوعية الهواء المحيطي موزعة على معظم أراضي الدولة، وقد تم البدء بقياس الجسيمات الدقيقة ذات القطر الأقل من 2.5 ميكرون في منتصف عام 2012، علماً أنه "لا توجد حدود وطنية للجسيمات الدقيقة ذات القطر الأقل من 2.5 ميكرون، لكن إذا ما تمت مقارنة معدل القراءات اليومية بالحدود اليومية المسموح بها في وكالة حماية البيئة الأميركية 35 ug/m3 والحدود اليومية المسموح بها في الاتحاد الأوربي 25 ug/m3 (ذات النسبة اليومية الاسترشادية لمنظمة الصحة العالمية) فيمكن وصف التراكيز بأنها مرتفعة".
ثم يعرض التقرير ثلاثة مخططات لتراكيز PM2.5 اليومية في محطات رصد "تلال الإمارات" في دبي و"مصفح" في أبوظبي و"كلباء" في الشارقة، نجد فيها أن التراكيز تتجاوز في كثير من الأيام نسبة 100 ug/m3 وأحياناً تقفز فوق نسبة 150 ug/m3.
إذاً، دراسة NOAA الأميركية التي تبنتها إدارة جودة الهواء في وزارة البيئة والمياه الإماراتية للقول إن تراكيز PM2.5 تتماشى مع الخطوط الإرشادية لمنظمة الصحة العالمية ليست صحيحة، وكان الأحرى بالإدارة اعتماد أرقامها التي سجلتها المراصد التابعة لها، وذلك بغض النظر عن الأرقام التي أوردها تقرير المعطيات الخضراء الصادر عن البنك الدولي، وقبله تقارير دولية كثيرة منها قاعدة بيانات تلوث هواء المدن التي تديرها منظمة الصحة العالمية، والتي تتفق جميعها على وجود مشكلة حقيقية في تلوث الهواء بارتفاع نسب الجسيمات المعلقة في الإمارات وعدد من الدول العربية. بطبيعة الحال فإن أولى الخطوات لمعالجة هذه المشكلة هي الاعتراف بوجودها.
مصادر:
|