"تجّار الشك" (Merchants of Doubt) هو عنوان فيلم وثائقي جديد يتناول مسألة التشكيك في مشكلة الاحتباس الحراري العالمي ويقارنها بقضايا أخرى كانت مثار جدل كالتدخين وثقب الأوزون وغيرهما. الفيلم مستوحى من كتاب يحمل هذا العنوان نشر عام 2010 وهو من تأليف مؤرّخي العلوم الأميركيين نعومي أورسكس وإريك كونواي.
بداية الفيلم صادمة على غير المتوقع، حيث اختار المخرج أن يسترجع التاريخ ويعرض بشكل مكثف مشاهد قديمة لرش الأطفال بالمبيدات الحشرية، على خلفية تصريح يؤكد عدم وجود دليل على ضرر الديوكسين والمبيدات والعوامل الكيميائية.
ثم يعرض المخرج مجموعة تصريحات سابقة لسياسيين وإعلاميين يتبنون فيها غياب الدليل والإجماع العلمي حول قضية التغير المناخي، بل إن أحدهم يصف هذا القضية بالخرافة. وبعد ذلك يعرض لقاءات يرد فيها أن "من غير المعروف ما إذا كان التدخين يتسبب بالسرطان"، ويتبعه تصريح لأحد المختصين يجادل بعدم وجود إجماع علمي حول هذا الموضوع.
الفيلم ليس عن التغير المناخي كعلم قائم في ذاته، بل هو عن "تكتيكات" تضليل الرأي العام حول القضايا العلمية التي يستخدمها تكراراً عدد من السياسيين والإعلاميين ومن يوصفون بالمرتزقة ذوي الخلفية العلمية. تشمل تكتيكات التضليل هذه على سبيل المثال: التشكيك في العلم، نشر المعلومات الكاذبة، ترويج الإرباك، تعزيز الشك بوجود إجماع.
في قضية التغير المناخي ستجد في الأصل من كان يشكك بحصول احترار في الغلاف الجوي. وبعد أن ثبت وجود هذا الاحترار علمياً بشكل لا يمكن دحضه، ظهر من يدّعي عدم وجود إجماع علمي على أن ذلك ناتج عن النشاط البشري. ومن ثم ظهر من يروّج معلومات كاذبة تقول إن الاحترار مفيد للطبيعة، ومن يقول إن التغير المناخي يستحيل إيقافه، وفي مرحلة لاحقة جرى الادعاء أن مواجهة التغير المناخي هو أمر مدمر للاقتصاد والمجتمع، وهكذا يتوالى التضليل والتشكيك.
ركز الفيلم على أن هذا التضليل مدعوم بشكل خفي من جماعات الضغط التابعة لمصالح الصناعات الكبرى كشركات التبغ والشركات النفطية. أما الكتاب الذي قام عليه الفيلم فتناول إضافة إلى ما سبق، توجهات معاداة الشيوعية الراسخة في الفكر الأميركي التي ترى أن التشريعات التي تضعها الحكومة، بما فيها تلك التي تستجيب للمشاكل البيئية، تستهدف تقييد الاقتصاد الحر وإفساد المجتمعات الرأسمالية.
يندرج فيلم وكتاب "تجّار الشك" ضمن فرع جديد من العلوم اسمه Agnotology أو ما يمكننا تعريبه على أنه "علم دراسة التجهيل". وقد تم ابتكار هذا المصطلح قبل عشرين عاماً في كتاب من تأليف البروفسور روبرت بروكتور، تناول فيه كيفية تشكيل السياسة لما نعرفه وما نجهله حول مرض السرطان.
في تجارة الشك، الحقيقة ليست هي الغاية كما في الشك العلمي المنهجي، بل تكون الغاية زرع الألغام على درب الحقيقة وعرقلة وصولنا إليها من أجل تحقيق مصالح فئة محددة من الناس. هذه التجارة ليست حكراً على الأميركيين، بل هي موجودة في كل مكان وفي كل اختصاص. يكفي أن تتابع معظم القنوات الفضائية العربية لتشاهد الكثير من نجوم تجّار الشك ومحترفي التضليل العرب.
شاهدوا نبذة من فيلم تجار الشك:
|