ذهبت الدكتورة كاي هولكامب، الأستاذة والباحثة الأميركية في علم الحيوان، إلى كينيا وفي حسبانها أنها ستقضي بضع سنوات لإجراء مشروعها البحثي حول الضباع الرقطاء، تنتهي بعدها من دراستها لتنتقل إلى دراسة حيوانات أخرى في موقع آخر. ولم تكن تدري أنها ستقع في "غرام" هذه الحيوانات التي أسرتها بطبيعتها الغريبة المعقدة. كما لم يدر بخلدها أن هذه الضباع يمكن أن توفر منظومة نموذجية لدراسة ظواهر مهمة، مثل وظيفة الجهاز المناعي ومورفولوجية الجمجمة وتكوين الشبكات الاجتماعية وتطور الذكاء.
تقول كاي في مقابلة معها نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" هذا الشهر: "يمكننا مقارنة الضباع بغيرها من الحيوانات كما الشطرنج بالنسبة لورق اللعب، إذ تكتنفها سلسلة من الألغاز تستعصي على الحل. فهي، على سبيل المثال، تبدو في الهيئة أقرب إلى الكلاب، غير أنها أقرب في الصلة إلى القطط، وأقرب الحيوانات إليها تصنيفياً النمس.
ومن غرائب سلوكيات الضباع أن الإناث أكثر تطوراً من الذكور، حتى أنهن يعملن على إزاحتهم، فهن أشد شراسة ولهن الهيمنة الاجتماعية. ومع ذلك، فهن ضعيفات عاطفياً تجاه أشبالهن، يهتممن بها ويقضين وقتاً طويلاً في رعايتها، أكثر من أي أم أخرى من الحيوانات اللاحمة.
وإلى جانب النوع الأرقط من الضباع، وهو محل اهتمام الدكتورة هولكامب، هناك المخطط والبني، وهما بطبيعتيهما كسولان، لا طاقة لهما بأعمال الصيد، على عكس الضبع الأرقط، فهو قناص قدير ويمكنه افتراس ظبي يفوقه في الحجم ثلاث مرات. وتوازي الضباع الرقطاء الأُسود في مراتب المفترسات، وتختلف عنها في طبيعتها الميالة إلى العيش في تجمعات محكمة. وهي تشبه القردة في هذا السلوك الاجتماعي، إلا أنها عندما تخرج للصيد تقوم به منفردة، فهي لا تعرف الصيد الجماعي.
وتجري هولكامب دراسات إضافية حول تأثير النشاط الرعوي المتزايد في أحد أقاليم كينيا على النمو الاجتماعي والمعرفي لأشبال الضبع الأرقط. ووجدت أن زيادة هذا النشاط تؤثر على هورمونات الإجهاد لدى الأشبال.
تصبّ أبحاث الدكتورة كاي هولكامب في مجال دراسات ما يسمى بالسياسة العصبية، التي تبحث في العلاقة بين الدماغ والسياسة، كدراسة كيف يتخذ الأشخاص المواقف السياسية، وكيف يقيّمون المرشحين السياسيين، وكيف يتفاعلون في الائتلافات السياسية. وقد تبين للعلماء أن أدمغة شعبة الرئيسيات غير البشرية، مثل الشمبانزيات، تمكنّها من الانخراط في التعاطي الاستراتيجي مع الآخرين، فضلاً عن وجود علاقة بين حجم القشرة في أدمغتها وحجم المجموعة الاجتماعية التي يمكنها إدارتها بنجاح. وساهمت أبحاث هولكامب مع دراسات أخرى لديناميكيات الائتلاف عند الضبع في التوصل إلى أن مجموعات الضباع لديها القدرة على أن تتشكل وتنحل على أساس منتظم. ويرجح أن مردَّ ذلك هو تمتع الضباع، والمرقطة منها على نحو خاص، بقشرة دماغية أكبر من تلك الموجودة لدى أنواع أخرى ذات تركيبات اجتماعية أبسط.
ومن خلال دراسة العلاقات بين التشريح العصبي والقدرات العقلية والديناميكيات السياسية في الأنواع الأخرى، ربما نفهم السياسات التي ينتهجها البشر والدور الذي تلعبه أدمغتنا في ما نمارسه من سياسات.
|