تتصاعد أزمة مياه الشرب بشكل كبير في عدد من المناطق السورية. ومن غرائب الأمور أن تصل هذه الأزمة إلى درجة إنشاء صفحة على الفيسبوك عنوانها "أخبار المياه في حلب دقيقة بدقيقة"، يتابعها أكثر من 34 ألف شخص.
ضمن هذه الصفحة ستجد الكثيرين الذين يشكون همّهم نتيجة انقطاع المياه لفترات طويلة. فالمياه بحسب بعض التعليقات لا تزال مقطوعة في شهر حزيران (يونيو) عن أحياء حلب في المشهد والأعظمية والإذاعة والأكرمية.
وفق مصادر رسمية، فإن الانقطاع عائد لانخفاض معدلات ضخ المياه من محطات المعالجة على بحيرة الأسد التي يسيطر عليها "تنظيم الدولة الإسلامية"، بالإضافة إلى التوقفات في محطات الضخ نتيجة عدم توفر مصادر الطاقة في حي سليمان الحلبي وحي باب النيرب اللذين تسيطر عليهما المعارضة المسلحة. وقد تسبّبت هذه الظروف مجتمعة في فرض برنامج تقنين لا يسمح بضخّ المياه إلى المنازل إلا بعد مدد طويلة من الانقطاع المتواصل.
بدأ سعي "تنظيم الدولة" للتحكم بالموارد المائية في سورية والعراق منذ مطلع 2013، بالسيطرة على سد الطبقة (سد الفرات) الذي يُعتبر أضخم السدود في سورية والمصدر الأساسي لمياه الشرب والكهرباء لنحو خمسة ملايين مواطن سوري، لا سيما في مدينة حلب. وهو كذلك يوفّر مياه الري لآلاف الكيلومترات المربعة من حقول القمح والشعير في منطقة الجزيرة السورية ومحافظة حلب.
أما في دمشق، فتبقى مياه الشرب رهينة المجموعات المسلحة في منطقة وادي بردى التي تفرض سيطرتها على نبع الفيجة، المصدر الأساسي لمياه الشرب في العاصمة ومحيطها. وقد قامت هذه المجموعات منذ أيام بتحويل تدفق النبع إلى نهر بردى وخفض معدلات ضخ مياه الشرب نحو مدينة دمشق، مما ينذر بحصول أزمة مائية كبرى ما لم يتم الوصول إلى تسوية ما.
في وادي بردى تحاول الجماعات التابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" فرض سيطرتها على نبع الفيجة واستخلاصه من أيدي المجموعات الأقل راديكالية، باعتبار أن السيطرة على هذا النبع يمثّل بشكل أو بآخر سيطرة على شريان حياة العاصمة. وهنا تبدو استراتيجية التنظيم في التحكم بالموارد المائية جزءاً مهماً ضمن استراتيجيته العامة في السيطرة على الموارد الجوفية وحرمان الخصوم منها.
تحركات "تنظيم الدولة" باتجاه المناطق جنوب وغرب مدينة حمص لا تخرج كثيراً عن هذه الاستراتيجية. فهذه المناطق تضم نهر العاصي ونبع التنور وآبار دحيريج، التي تمثّل مصادر مياه الشرب لأكثر من مليوني شخص في مدينتي حمص وحماة اختبروا سابقاً انقطاع مياه الشرب لفترة طويلة بسبب الأحداث الأمنية.
باستثناء المنطقة الساحلية الغنية بمصادر المياه السطحية والجوفية، يبدو أن جميع المناطق في سورية من شمالها إلى جنوبها ومن وسطها إلى شرقها قد عانت من أزمات كبيرة ومتكررة في مياه الشرب. وكانت معظم هذه الأزمات وسيلة من وسائل الضغط والعقاب الجماعي للمدنيين، واستخدمت كسلاح في الحرب المستمرة منذ أكثر من أربع سنوات، رغم المناشدات المتكررة للتوقف عن استخدام هذه السلاح الذي يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي.
|