تمنيت أن يكون حديثي عن "تراجيديا أفريقية" مجسَّدة في مسرح أو سينما، ولكنها تراجيديا وردت مشاهدُها في تقرير أعدته ثلاث منظمات عالمية غير حكومية، هي "أوكسفام" ومؤسسة "اقتصاديات جديدة" و"مجموعة العمل المعنية بتغير المناخ والتنمية". وقد أجمعت فيه على أن مناخ أفريقيا مقبل على أحداث جسام، إذ سيشتد الجفاف في المناطق الجافة الحالية، في شمال وشرق وغرب القارة، بينما ستشهد أفريقيا الاستوائية وأجزاء من جنوب القارة زيادة في معدلات هطول الأمطار، لتتصاعد إيقاعات التراجيديا، إذ سيكون على الأفارقة أن يختاروا إما الوقوع ضحية لشيطان الجفاف وإما "الموت الأزرق" أي الغرق في مياه الفيضانات.
وتكتمل حلقات التراجيديا عندما نعلم أن الضحية – القارة الأفريقية – لا شأن لها بملابسات تغير المناخ العالمي الذي ألحق بها كل هذا الأذى، بينما تتقاعس الدول الصناعية الكبرى عن مساعدة أفريقيا، والدول النامية عموماً، للتكيف مع تغير المناخ. وتتراوح كلفة التكيف بين 10 و40 بليون دولار سنوياً.
وكان المدير السابق لمنظمة اليونسكو فيديريكو مايور قال في تصريح: "إننا نعيش عصراً لا مجال فيه للأصول المتعارف عليها في مجال المنافسة الحرة. فهو عصر قانون الأقوى في مواجهة الأضعف، حيث يسود وضع شائن مرفوض أخلاقياً، تدفع فيه أفقر البلاد لأغناها المال والمواهب، لتصير البلاد الفقيرة أفقر والغنية أغنى. لقد صيغت الاستراتيجيات الاقتصادية العالمية من دون اكتراث بالوضع الاجتماعي والثقافي لفقراء العالم، على نحو ما جسدته مسرحية "مريض بالوهم" لموليير، حيث المرضى دائماً على خطأ ويوصف لهم الدواء ذاته. فلا أحد يهتم بالنظر في تنوع الموارد الطبيعية والبشرية، والثقافات، والتاريخ. من هنا، كانت الدعوة إلى مساعدة أفريقيا بمثابة العودة إلى الأخلاقيات. الغرب مدين لهذه القارة بثرائه وقوته، فقد استنزفها بصورة لم يسبق لها مثيل في التاريخ، عن طريق نظام الرق ثم أشكال مختلفة من الاستعمار".
ويخفف من شدة وطأة هذه التراجيديا أمل يراه نفر من خبراء التنمية، في أن تتجاوز أفريقيا خلال هذا القرن أدواءها وتصبح جديرة بالحياة فيه. ولكن بشرط أن تنجح في التغلب على ما يمكن تسميته بفخاخ التنمية، التي ظلت أمداً طويلاً تشدها إلى الخلف في حلقة مفرغة من التخلف والصراع ومعاناة بشرية على مدى القرن العشرين. ويتوقف نمو هذا الأمل على ثلاثة عوامل مهمة. أولها العمل على زيادة مستوى المشاركة السياسية، وترسيخ مبدأ المساءلة في أفريقيا. والثاني أن تجيد أفريقيا اغتنام الفرصة المتاحة أمامها، في ظل تغير شكل خريطة العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، لتتحول من مجرد ساحة لمعارك الآخرين الاستراتيجية والأيديولوجية، كما كانت الحال إبان تلك الحرب، إلى وجهة جديدة يقصدها رجال الأعمال والتجارة والتنمية. أما العامل الثالث فهو ما تقدمه العولمة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من فرص هائلة لأفريقيا، إن اغتنمتها قفزت مراحل التنمية.
|