قبل نحو عام نشرت مجلة "البيئة والتنمية" تحقيقاً من إعدادي بعنوان "دكاترة البيئة: القصة الكاملة للجامعات الوهمية والشهادات المزيّفة". وتضمّن التحقيق عرضاً لعمل الجامعات الوهمية، وحواراً مع ممثل إحداها، بالإضافة إلى دليل لتعليم كيفية إنشاء جامعة وهمية على الإنترنت في خمسة أيام من دون معلم.
استلزم إنجاز هذا التحقيق أن أقوم بتزويد ممثل "جامعة نيكسون الأميركية" بمعلومات الاتصال الخاصة بي. وحسناً فعلت إذ زودتهم بمعلومات اتصال حقيقية، فقد كان العام الماضي حافلاً بالاتصالات من جامعة نيكسون سواء عبر البريد الإلكتروني أو عبر الهاتف. للأمانة، لا أستغرب أن يضعف أحدهم فيسقط فريسة العروض المغرية التي تقدمها "الجامعة".
بمثل العناد الذي تتصف به امرأة شرقية تجيد المفاصلة والمساومة، يتصل بك عبر الهاتف من رقم أميركي شخص يمتدح خبراتك في الإدارة البيئية، وأنت الذي لا تزيد مهاراتك في الإدارة عن مهارات محمد هنيدي في الغناء. ويصرّ المتصل على أن خبراتك هذه تؤهلك لنيل درجة الدكتوراه بامتياز في مقابل 850 دولاراً. تتهرب منه فتقول إنك تريد مهلة للتفكير، لكنه يعاود الاتصال بك بعد شهر ليخبرك أن لجنة منح الشهادات في الجامعة تدعم طلبك، وأن الإدارة قررت منحك حسماً خاصاً يتيح لك الحصول على شهادة الدكتوراه خلال خمسة أيام في مقابل 650 دولاراً فقط.
وهكذا تتوالى العروض، التي كان آخرها في نهاية آذار (مارس) الماضي: لمدة محدودة، احصل على شهادة الدكتوراه في الإدارة البيئية مصدّقة من وزارتي العدل والخارجية الأميركيتين وسفارة بلدك في الولايات المتحدة، ومعها كشف بالعلامات، وكل ما يلزم من "حباشات" ورقية أخرى، في مقابل 399 دولاراً لا غير.
قبل أيام قليلة، ألقي القبض في كراتشي على شعيب أحمد شيخ، المدير التنفيذي لشركة Axact للبرمجيات، مع أربعة من معاونيه بتهم النصب والاحتيال الإلكتروني ومخالفة قانون الجرائم الإلكترونية وتبييض الأموال. وعُثر خلال تفتيش موجودات الشركة على مستودع يحوي آلاف الشهادات الفارغة لجامعات وهمية، بما فيها جامعة نيكسون.
نيكسون لم تكن أكثر من موقع إلكتروني وهاتف إنترنت، وموظف باكستاني يجيد اللغة الإنكليزية ويعمل مع زملائه في إدارة مئات الجامعات الأميركية الوهمية، مثل جامعة نيكسون وجامعة كامبل ستيت وجامعة أوكسديل وجامعة آشلي وجامعة كينيدي وغيرها.
هذه الجامعات الوهمية موجّهة خصيصاً للعالم العربي، وبشكل أكثر تحديداً للعاملين في الإمارات والسعودية والكويت وقطر من المواطنين والوافدين. بطريقة ما اطلعت على السير الذاتية لعدد كبير من حملة شهادات "أكساكت" في دول الخليج وعدد من الدول العربية الأخرى، بعضهم يعمل بشهادته الوهمية في وظائف حكومية ومعظمهم يعملون في مؤسسات خاصة. قد تتفهم أن يقدم خريّج كلية الاقتصاد على شراء شهادة ماجستير في إدارة الأعمال، ولكن بأي منطق يشتري خريّج كلية الطب درجة دكتوراه زائفة في تقنيات التعليم ليقوم بإجراء دورات تدريبية في علم زائف هو البرمجة اللغوية العصبية؟
فضيحة جامعات "أكساكت" ستطويها الأيام، كما طوت قبلها فضائح جامعات وهمية أخرى زيّنت شهاداتها جدران مكاتب الكثير من الدكاترة الوهميين الذين استمروا في عملهم كأن شيئاً لم يحدث، حتى أصبحنا نجد أجيالاً متعاقبة من "الوهميين" الذين عرفوا قواعد اللعبة ودخلوا تجارة الزيف والخداع بدعم منقطع النظير من وسائل الإعلام العربية. من دون شك، الخاسر الوحيد في هذه اللعبة الجهنمية هو المواطن العربي البسيط الذي ما زال مبهوراً بظاهر الأمور من ألقاب ومسميّات.
|