في روايته الأولى والأكثر شهرة "عدّاء الطائرة الورقية" (The Kite Runner) يقصّ علينا الكاتب الأميركي من أصل أفغاني خالد حسيني حكاية مؤثرة عن طفلين أفغانيين، أمير وحسن، يترعرعان معاً كصديقين مقرّبين تعصف بهما الفوارق المجتمعية والطبقية، وتؤثر فيهما الأحداث العنيفة التي شهدتها أفغانستان في الحروب المتتالية.
يسافر أمير هارباً إلى الولايات المتحدة، ويبقى حسن في أفغانستان حيث يكبر ويتزوج، ثم تنال منه الحرب هو وزوجته فيتركان وراءهما طفلاً يتيماً. وكنوع من التكفير عن الخطايا التي ارتكبها بحق حسن، يعود أمير إلى أفغانستان لإنقاذ ابن صديقه من براثن الحرب والظلم.
تنطوي رواية "عدّاء الطائرة الورقية" على مقدار هائل من المتناقضات، كالوفاء والخيانة، الجمال والقبح، الخير والشر. وهي تصوّر المآسي التي تنتج عن الحرب، كفقدان الأحبة وانهيار القيم الثقافية ودمار المكوّنات الطبيعية.
ما يميز كتابات خالد حسيني اهتمامه بالتفاصيل الواقعية الصغيرة التي قد تغيب عن كثيرين. ففي أحد فصول الرواية، عند عودة أمير إلى مدينة كابول، تجده يحاور مرافقه عن قطع الأشجار في المدينة، ثم يستغرب انتشار روائح احتراق الديزل الناتج عن عمل المولدات الكهربائية، ويتذكر الخضرة التي كانت منتشرة في كل مكان وروائح الشواء التي كانت تملأ الأسواق.
أثناء الحرب يكون الإنسان محور الاهتمام، وهذا الاهتمام ليس موضع جدل أو انتقاص بطبيعة الحال. أما التخريب الذي يطاول المحيط الحيوي والموروث الحضاري فيضيع في زحمة الأحداث الجسام، حتى أنك تجد من يستهجن الحديث عنه ويعتبره من التوافه وصغائر الأمور، مثلما فعل البعض في وجه من أبدى خوفه على عروس البادية السورية مدينة تدمر الأثرية.
تدمر وباديتها ليستا مجرد موقع تاريخي، بل موطن تنوع حيوي غني يجهله كثيرون. في تدمر نفسها هناك واحة النخيل وينابيع المياه الكبريتية، وفي محيطها القريب سبخة الموح وسد وادي أبيض بما تمثلانه كنموذج عن الأراضي الرطبة في قلب البادية، وهناك أيضاً محمية التليلة التي تحتضن قطعان المها العربي وغزال الرمل المهددة بالانقراض، وكذلك محمية آخر أفراد المجموعة المهاجرة من طائر أبو منجل الأصلع الشمالي الوحيدة من نوعها في العالم.
ليس ببعيد عن تدمر هناك جبل أبو رجمين بمحميته التشاركية التي تضم بقايا غابة البطم الأطلسي، ومجتمعها الفريد من البدو الرُحّل الذين حاولت إدارة المحمية إقناعهم بالسكن في قرية نموذجية جرى بناؤها شمال مدينة تدمر، فلم تنجح في ثنيهم بالتخلي عن نمط الحياة في خيمة تحيطها الأشجار وتظللها السماء. يومذاك، سألت أحدهم عن سبب رفضه السكن في القرية النموذجية، فكان جوابه أنه لا يسكن في مكان لا تسكنه العصافير.
قبل الحرب، كان المحيط الحيوي في بادية تدمر هشّاً للغاية تهدده المخاطر الطبيعية والبشرية. وقد تم إنجاز العديد من المشاريع والمبادرات لحماية البادية، لاقى بعضها الفشل وأصاب بعضها الآخر شيئاً من النجاح. ومع ذلك ظلّت بادية تدمر من الغنى الطبيعي والاجتماعي الذي دفعني في أحد الأيام إلى طرح إدراجها ضمن مواقع التراث العالمي، شأنها شأن مدينة تدمر الأثرية المدرجة أصلاً ضمن هذه المواقع.
أما خلال الحرب، فما أعلمه أن محمية التليلة قد استبيحت بالكامل، وأن طيور أبو منجل المهاجرة تعذر رصدها بسبب الأعمال الحربية وهي على الأغلب انقرضت، وأن محمية أبو رجمين فقدت عدداً كبيراً من أشجار البطم الأطلسي نتيجة عدم توافر الوقود وغياب الرقابة. أما البدو الرحل فقد انتقلوا إلى أماكن أكثر أماناً لا تعيش فيها العصافير.
|