ذكور معظم أنواع الحيوانات اللبونة مزواجة، ولا يكتفي بزوجة واحدة ســوى 5 في المئة فقط. ومن هذه القلة فئران البراري التي يكتفي ذكرها بأنثى واحدة، بل إنه يشاركها رعاية الصغار، على عكس ذكر فأر الحقـل الذي لا يعرف الوفاء لزوجة، فيختلط بالعديد من الإناث ولا تهمه شــؤون صغـاره.
اســتوقفت هذه المفارقة علماء السلوكيات الحيوانية، فتســاءلوا: ما الذي يخلق هذا البون الشاسع في خصائص الحياة الاجتماعية لفردين ينتميان إلى المجموعة نفسها من الحيوانات، وهي القوارض، وإن كانا من نوعين مختلفين؟ وكيــف الســبيل إلى التأثير على الفأر المزواج العربيد ليصير، من وجهة نظر بشرية طيبة، مخلصاً لزوجته وأم أبنائه وحَفِـيَّـاً بأسرته؟
لم يكن هدف العلماء بالطبع تغيير سلوكيات كل ذكور فئران الحقل لتشبه سلوكيات ذكور فئران البراري، فذلك من قبيل المستحيل. كما أن هذا التغيير، حتى لو كان ممكناً، غير مطلوب لذاته، فهو يعني تدخلاً في شأن متصل بطبيعة الخلق. فمن الأهمية بمكان أن يحتفظ كل نوع بسلوكياته الطبيعية، حتى وإن لم تعجبنا وفق مقاييسنا، فقد اكتسبها ليؤدي دوراً بعينه، من دونه يختل توازن المحيط الحيوي. وإنما كان هدف من أجروا التجارب على فئران الحقل وفئران البراري التوصل إلى أسرار السعادة والتوافق بين الأزواج، لعلها تفيد البشر التعساء في حياتهم الزوجية.
توصل فريق من علماء السلوكيات الحيوانية والأمراض العقلية من جامعتي إيموري وكارولينا الشمالية في الولايات المتحدة إلى أن العامل المحـدد للســـلوكيـات الزوجيـة لكـل من نوعي الفئران هو هورمون "فاسوبريسين"، الذي ينطلق في دماء ذكور الفئران عند ممارسة الجنس، ويؤدي إلى شعورها بالسعادة الغامرة. وترتبط هذه المشاعر برفيقة الحب، فيصطفيها الذكر، ولا يرى غيرها. ويتحقق ذلك عند ذكور فئران البراري، ولا يتحقق في ذكور فئران الحقل، لأن الأولى تمتلك عدداً كبيراً من مُســتقبِلات ذلك الهورمون في أدمغتها، فيتعاظـم تأثيره عليها، ويجعلها تهتم بالرفيقة الوحيدة. أما أدمغة فئران الحقل، فلا تستقبل الفاسوبريسين بالقدر الكافي، فلا يجد فأر الحقل في العلاقة الزوجية أي طعم للسعادة، وتصبح كل الإناث عنده ســـواء.
فلما زرع العلماء في دماغ ذكر فأر الحقل مزيداً من مستقبلات هورمون الفاسوبريسين، تبدلت أحواله، واكتفى بزوجة واحدة، بل إنه أعرض عن إناث غيرها حاولن إغواءه.
|