الساعة تقترب من منتصف الليل وليلى ما زالت تحاول الاتصال بجدّتها من دون جدوى. لقد كان نهاراً عاصفاً انقطعت فيه خطوط الهاتف وتوقفت الاتصالات الخليوية بعد انقطاع الكهرباء عن بعض أبراج الاتصال لمدّة طويلة. ما زالت ليلى تستطيع استخدام هاتفها الجوّال، فالتغطية تصل إلى منطقتها، ولكن يبدو أن المنطقة التي تعيش فيها جدّتها أصبحت خارج التغطية تماماً.
أدركت ليلى أن استمرار انقطاع الاتصالات يعرّض حياة جدّتها للخطر، إذ لن يكون بمقدورها الاتصال بمحلات الوجبات السريعة وطلب "ديليفري" إلى بيتها في وسط الغابة. هي ليست غابة بالمفهوم الذي يعرفه الجميع، بل هي أقرب إلى حرج بأشجارها المتباعدة التي ما فتئت فؤوس الحطّابين تنال منها.
استبد القلق بالفتاة، فعزمت على زيارة جدّتها في اليوم التالي أيّا تكن حالة الطقس. وقبل أن تخلد للنوم، كتبت على صفحتها في الفيسبوك: "أتوجّه غداً لزيارة جدّتي حبيبة قلبي، وأنا محتارة في أي المعاطف أرتدي. إذا رأيتم أن المعطف الأحمر مناسب فضعوا إشارة إعجاب، أما إذا رأيتم أن المعطف الأزرق هو الأنسب فشاركوا بتعليق".
استيقظت ليلى في الصباح الباكر، قرابة الساعة العاشرة، وأول ما فعلته كان مشاهدة مدى التفاعل مع منشورها على الفيسبوك، ثم محاولة الاتصال من جديد مع جدتها حيث باءت محاولتها بالفشل. ارتدت معطفها الأحمر عملاً بنصيحة أصدقائها، ووضعت عبوة رذاذ الفلفل في حقيبتها، ثم انطلقت نحو بائع المعجنات القريب، واشترت كمية كبيرة من "المناقيش" و"الدوناتس"، واتجهت نحو الغابة بهمّة عالية.
فيما كانت تسير في الغابة مستعينة بنظام تحديد الموقع العالمي "جي بي إس" على جهازها الخليوي، أخذت ليلى تلتقط الصور للزهور البرّية وتنشرها على صفحاتها في الإنستغرام والتويتر والفيسبوك. يبدو أن التقاط الصور ومشاركتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي شغل فكر ليلى وجعلها تسهو عمّا تحمله! لم تنتبه لفقدانها رزمة المعجنات إلى أن أصبحت خارج تغطية الاتصالات الخليوية. ومع ذلك قررت متابعة سيرها باتجاه منزل جدّتها، فهي تخشى أن تضيع في الغابة بعد أن أصبح جهازها الخليوي قطعة معدنية لا فائدة ترجى منها.
في تلك الأثناء شاهد ذئب رزمة المعجنات ملقاة بجوار بقعة أزهار. واستطاع بذكائه الفطري أن يحدد صاحبة هذه المعجنات مستفيداً مما نشرته ليلى عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لقد كان الذئب من الشهامة بحيث حمل رزمة المعجنات بين فكّيه وانطلق مسرعاً في اتجاه بيت جدّة ليلى الذي يعرفه جيداً.
وصل الذئب إلى بيت الجدّة وطرق الباب، فلم يردّ عليه أحد. كانت الجدّة غادرت البيت لشراء الطعام من القرية المجاورة، وفي عجلتها نسيت إغلاق الباب جيداً. دفع الذئب الباب ودخل. وبعد أن وضع رزمة المعجنات على الطاولة قرب سرير الجدّة، همّ بالمغادرة فيما كانت ليلى على بعد بضعة أمتار من بيت الجدّة. كانت المواجهة على باب المنزل مفاجأة كاملة للذئب ولليلى. إلا أن ليلى استطاعت تمالك نفسها بسرعة، فقامت برشّ عيني الذئب برذاذ الفلفل الذي تحمله.
أحرق الفلفل عيني الذئب فأخذ يعوي من الألم، وليلى بالقرب منه تصوّره لنشر هذه اللحظات الاستثنائية على موقع يوتيوب. سمع حطّاب كان في المنطقة عواء الذئب، فأسرع إلى المكان وهجم عليه بمنشاره الكهربائي وأعمل فيه ذبحاً وتقطيعاً.
حقّق مقطع الفيديو الذي نشرته ليلى معدلات مشاهدة مرتفعة على اليوتيوب. وبعد أسبوع، تم إلقاء القبض على الحطّاب بتهمتي الاعتداء على الغابة وقتل حيوان مهدّد بالانقراض.
ثمة عبرتان من هذه القصة، الأولى ضرورة أن تتفادى التصوير أثناء ارتكابك جريمة بحق الحياة الفطرية، والثانية أن تمتنع تماماً عن مساعدة الآخرين فذلك قد يودي بك إلى التهلكة.
|