تمنح مؤسسة استوكهولم الدولية للمياه جائزتها السنوية لشخص أو منظمة أو معهد تكريماً للإسهام المتميز في إنجازات متصلة بالمياه. وكان انطلاق الجائزة عام 1991، وتبلغ قيتها النقدية 150 ألف دولار. وقد ذهبت هذه السنة إلى الناشط البيئي والاجتماعي الهندي راجندرا سينغ، لجهوده الخلاَّقة في مجال الإصلاح المائي، وتعزيز حُرمة المياه في الريف الهندي، وتقديراً لما تحلَّى به من شجاعة فائقة وتصميم في سعيه الدؤوب لتحسين أحوال معيشة المحتاجين من أبناء جلدته.
عاش سينغ حياته وسط الجفاف، فهو من أبناء ولاية راجستان القاحلة. وكرس جهوده لمقاومة هذا الجفاف، فأثمرت نتائج باهرة، إذ تمكن من خلال جمعية أهلية يترأَّسها، وبالتعاون الوثيق مع السكان المحليين، من إبعاد شبح الجفاف عن عدد من الأنهار الصغيرة في راجستان، فعادت المياه تجري فيها، لتعود الحياة إلى ما يقرب من ألف قرية هجرها سكانها بسبب الجفاف.
ورد في حيثيات لجنة الجائزة أن حل مشاكل المياه في الوقت الراهن لا يكون بالتعويل فقط على العلوم والتكنولوجيا، فهي مشاكل إدارات حكومية وسياسات وقيادة وقدرة على التكيف الاجتماعي. وقد قدم راجندار سينغ مثالاً يُحتذى، فاهتم طوال حياته ببناء قدرات اجتماعية لحل مشاكل المياه في موطنه القاحل، باتباع أسلوب العمل التشاركي، وتمكين النساء، ووصل المهارات والمعرفة التقنية في الموروث المحلي بالمقاربات العلمية والتكنولوجية الحديثة، والتخلص من الأساليب النمطية المتوارثة في التنمية واستغلال الموارد، ومن الأعراف الاجتماعية المعوِّقة.
بعد أن أنهى سينغ دراسته للطب الهندي القديم في منتصف ثمانينات القرن الماضي، عاد إلى راجستان ليمارس عمله في عيادة خاصة. لكنه وجد أن العمل على حل مشاكل الجفاف أولى من ممارسة الطب، وبدأ بمساعدة القرويين في إنشاء سدود ترابية لتجميع المياه تُعرف في الموروث الهندي باسم "جوهاد"، بلغ عددُها على مدى عقدين من الزمان 8600 سدّ. فانتعشت أحوال ألف قرية في راجستان، وتزايدت مساحة الغطاء الحرجي، وعادت أنواع من الظباء والنمور وحيوانات برية أخرى تستوطن الإقليم.
واللافت في تجربة سينغ لإصحاح أنهار موطنه والتغلب على الجفاف أنها اعتمدت على أساليب تقليدية لتجميع المياه وتخزينها، كان الاستعمار البريطاني للهند قد طمسها، فبعث فيها "رجل الماء الهندي" الحياة لتروي عطش الناس والأرض في موطنه.
وتمتد طموحات سينغ أبعد من ذلك، فهو عليم بتزايد مشاكل استغلال المياه وتلويثها والتعديات عليها، لذلك فإنه يستهدف الآن إطفاء خطر نيران الحرب على المياه. والثابت أن تغير أنماط الطقس في أنحاء العالم يؤدي إلى تواتر متزايد في ضربات القحط والفيضانات، الأمر الذي يتطلب مهارات خاصة في تجميع مياه الأمطار، وتحويل بعض منها عندما يتعاظم مخزونُها لملء المجاري المائية من ترع وأنهار صغيرة. وهذا هو الشغل الشاغل حالياً لنفر من خبراء المياه في العالم.
في 26 آب (أغسطس)، سيتقدم رجل الماء الهندي راجندرا سينغ، في احتفال ملكي، ليتسلم جائزة استوكهولم للمياه لسنة 2015 من ملك السويد.
|