لعل أكبر تحديات الآلية الإعلامية في المحيط العربي غياب التوجه المستقبلي تجاه القضايا الحيوية التي تمثلها إشكالية التنمية المستدامة. وذلك في ظل استشراء ظاهرة العولمة الإعلامية مفهوماً وتطبيقاً، باعتبارها الفاعل المحوري في استبدال سيطرة الدولة بسطوة التركات المتعددة الجنسية التي تستهدف إهدار القيم وطمس الملامح الثقافية وتذويب الهويات.
ويتمثل الدور البنائي الوظيفي للإعلام في طرح العولمة باعتبارها تحدياً حضارياً، على الدول النامية، يستلزم توجهاً آخر يكون أكثر فاعلية وتأثيراً من العولمة ذاتها.
ما هي العوامل التي أدت إلى بروز العولمة في الوقت الراهن؟ وهل يرجع هذا إلى انهيار نظام الدولة ذات الحدود المستقلة؟ وهل العولمة تحوّل بارز على المدى الطويل بين العام والخاص وبين المحلي والخارجي وبين المغلق والمفتوح؟ وهل هي استمرار لنمو الفجوة بين الأغنياء والفقراء على جميع المستويات؟ وهل تتطلب العولمة وجود حكومة عالمية؟
لا بد لأي خطة للتنمية المستدامة أن تعنى بالمساواة بين الأجيال، بمعنى التأكد من أن الأجيال المقبلة ستكون لها القدرة نفسها على التطور كالجيل الماضي، ولا تكون خطة إنمائية مستدامة إلا إذا ضمنت أن رصيد الأصول الرأسمالية الشاملة يبقى ثابتاً أو يتزايد مع الوقت. وتشمل هذه الأصول رأس المال التصنيعي (مثل الآلات والطرق) ورأس المال البشري (المعرفة والمهارات) ورأس المال الاجتماعي (العلاقات والمؤسسات) ورأس المال البيئي (الغابات والشعب المرجانية وغيرها). والبيئة مهمة لا بحكم تأثيرها في الرفاه النفسي وغير الاقتصادي فحسب، بل لأنها تؤثر في الإنتاج على المدى الطويل أيضاً.
انطلاقاً من ذلك، فإن العولمة تعد أحد المحكات المهمة والمباشرة في التعامل مع المجال البيئي. إذ أن آليات العولمة، طبقاً للكثير من الدراسات، تفرض آثاراً سلبية على المعايير البيئية، بما يجعل عملية التنمية المستدامة في حاجة إلى مجموعة من الإصلاحات الجذرية لمواجهة السياسات الاقتصادية السلبية وبرامج التعديلات الهيكلية. فالعولمة تعتمد على زيادة الاستهلاك المؤدي بالضرورة نحو تفعيل زيادة نسب التلوث.
لكن هل يعني ذلك أن يكون تصدير التلوث ضمن الاستراتيجيات السياسية للدول الصناعية المتقدمة تجاه الدول النامية في إطار سياسات العولمة؟
من هنا، يجب أن تقوم الرسالة الإعلامية باستعراض سياسات منظمة التجارة العالمية وتفنيد توجهها الأيديولوجي العام، باعتبار أنها سياسات مخالفة لتاريخية حركة النمو الاقتصادي وغير محققة لمبدأ التكافؤ بين الدول الصناعية الكبرى والدول النامية. ويجب أن ينطلق الوعي الإعلامي ضد فكرة اتساع الهوة في النظر إلى العولمة من حيث أهدافها وأدواتها واستراتيجية التعامل معها كقضية خلافية متفردة ليست على غرار قضايا أخرى كثيرة. ولما كان لمفهوم البيئة نوع من الخصوصية المكانية، فقد أصبحت له الآن درجة كبيرة من العمومية من حيث سرعة التأثير والتأثر أو سرعة الانفتاح على البيئات الأخرى ومحاولة التكيف معها أو تدميرها. فهل يعتبر تصدير التلوث أو الاستحواذ على الموارد الطبيعية من الآثار الإيجابية للعولمة على التوازن البيئي؟ أم أن هذا التوازن يستدعى بذاته استراتيجية علمية جادة لتحقيقه ثم الحفاظ عليه، بإقامة وسائل التواجه التي تحقق نسقاً بيئياً متكاملاً أصبح يمثل مطلباً اقتصادياً اجتماعياً وسياسياً للدول.
إن التنمية المستدامة، في أمثل تعريفاتها طبقاً لتقرير برونتلاند، إنما هي عملية للتغيير يتناغم فيها استغلال الموارد، وتوجهات الاستثمار، ومناحي التنمية التكنولوجية، وتغيير المؤسسات، وتعزيز إمكانات الحاضر والمستقبل، للوفاء باحتياجات الإنسان وتطلعاته.
لذلك، من مسؤولية الرسالة الإعلامية التأكيد الدائم على أن التنمية المستدامة هي قضية أمن قومي مرتبطة بالمصالح العليا للدولة. ويجب أن تظل هي إحدى أهم القضايا الأساسية لدى صانعي القرار، المنوط بهم تفعيل استراتيجية تعتمد ركائزها على إقامة نوع خاص من التوازن بين العديد من الاعتبارات الاجتماعية والوسائل والأساليب التكنولوجية والبيئية الطبيعية. وبصفة عامة، الممارسات الإيجابية للإعلام التنموي هي العنصر الديناميكي الفاعل في جدلية التنمية المستدامة، بكل ما حملت مفرداتها من انعكاسات على قضايا حيوية تكاد تهدد الأمن المجتمعي بكليته.
الدكتور محمد حسين أبو العلا أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة عين شمس في القاهرة.
|