كان الشأن البيئي مكوِّناً رئيسياً في فكر الكاتب الأميركي الكبير جون شتاينبك، الذي اهتمَّ بأن يقدم لقراء أعماله الروائية أفكاراً عن كل أشكال الحياة، بما فيها الشكل البشري، باعتبارها منظومة عضوية مترابطة. وكان ذلك من قبل أن يتزايد الاهتمام بعلوم البيئة ويتبلور على نحو ما نراه اليوم.
يتضح ذلك بصورة مباشرة في كتابه غير القصصي "بحر كورتيز" الذي يعده بعض الدارسين من أهم الكتب التي تعالج مواضيع متصلة بالطبيعة في القرن العشرين. بل إنهم يعتقدون أن الفكر البيئي عند شتاينبك كان له تأثيره على أفكار وتوجهات غيره من النشطاء والفلاسفة، من أمثال ألدو ليوبولد الذي يعتبر الأميركيون أنه "أبو الإيكولوجيا"، وريتشل كارسون صاحبة كتاب "الربيع الصامت" الذي نبه المجتمعات البشرية إلى خطورة مشكلة المبيدات.
كان شتاينبك يرى الحياة شبكةً تضمُّ كل شيء، من رخويات البحر إلى النجوم. وفي العام 1930 ساقته الأقدار إلى مصادفة كان لها تأثيرها الكبير في حياته، إذ تعرَّف بعالم البيولوجيا البحرية إد ريكيتس، فصارا صديقين، واستفاد منه كثيراً في تعميق طريقة تفكيره ونظرته للكون والحياة. وشاركا عام 1939 في رحلة علمية لجمع عينات من خليج كاليفورنيا، المعروف أيضاً باسم بحر كورتيز، واستخدم شتاينبك نتائج هذه الرحلة في كتابه الذي صدر عام 1941 واشتمل على قوائم بأسماء الكائنات البحرية في المنطقة وخصالها وموائلها المختلفة.
كتب شتاينبك يسجل تجربة تجوالٍ بين البرك المتخلِّفة عن حركة المد والجزر: "تبدو لي أنواع الكائنات الحية التي تعيش في هذه البرك كأنها فواصل بين جُمَل، ويمثل كل نوع قمة هرم وقاعدته في آن معاً. وتندمج الأنواع بعضها مع بعض، وتنصهر المجموعات في التجمعات الإيكولوجية، حتى يأتي وقت يلتقي فيه ما تعارفنا على أنه حياة، ويتداخل مع ما نحسبه جماداً، كأبقار البحر والصخور، والصخور والأرض، والأرض والشجر، والشجر والمطر والهواء. إن معظم المشاعر التي نسميها ديناً، ومعظم صرخات الاحتجاج الرمزية، وهي أكثر ردود الأفعال التي تصدرُ عن النوع الذي ننتمي إليه، وهو الأكثر استخداماً وطلباً، تتجسد جميعُها في أن نفهم ونحاول أن نُقر بأنَّ الإنسان وثيق الصلة بوحدة الوجود".
قام أحد الصحافيين باستطلاع آراء قراء شتاينبك حول أحب المقاطع التي قرأوها في رواياته إلى قلوبهم، فأجمع كثيرون على مقطع، هو: "وعلى العشب الممتد على جانب الطريق، مضت السلحفاة زاحفة، لا تلوي على شيء، كأنها تدرس العشب وهي تدوسه ببطء بسيقانها الصلبة وأقدامها ذات الأظافر الصفراء. كانت سنابل الشعير تنزلق على درقتها. وكان منقارها القرنيُّ نصف مفتوح، أما العينان الشرستان المضحكتان الكامنتان تحت حاجبين كالأظافر فكانتا شاخصتين إلى الأمام. وكان توم جواد خارجاً لتوه من السجن، متجهاً إلى بيته، وما إن رأى السلحفاة حتى التقطها. وعندما وصل إلى البيت وجده مهجوراً، فقرر أن يطلق سراح السلحفاة. ومضى في مراقبتها وهي تزحف مبتعدة وهو يتساءل: أين تراها ذاهبة؟ إنني طوال حياتي أرى سلاحف، وهي تسعى دائماً إلى جهة ما، كأنما تحدوها رغبة في الذهاب إلى تلك الجهة".
|