في العام 1997، بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيسها، قرّرت شركة "سانيو" للصناعات الإلكترونية إنشاء أضخم منظومة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية باستخدام الخلايا الكهرضوئية التي تنتجها الشركة. وبالفعل، قام المصممون عام 1998 بوضع المخططات الأولية للمنظومة بحيث تبدو على شكل قارب، وأطلقوا عليها اسم "الفُلك الشمسي" (Solar Ark).
ولكن خلال هذه الفترة اضطرت الشركة لاسترجاع آلاف الألواح الشمسية من الأسواق نتيجة وجود عيب في إنتاجها يخفّض من مردودها بشكل مخالف للمواصفات المعلنة. وتعبيراً عن أسفها ورغبتها في الحفاظ على جودة منتجاتها، استخدمت الشركة الألواح الشمسية التي استرجعتها في تنفيذ "الفُلك الشمسي"الذي تمّ الانتهاء من تشييده عام 2001.
حصل "الفُلك الشمسي" على عدد كبير من الجوائز العالمية في مجالي العمارة والبيئة، وهو ينتج حالياً 530 ميغاواط ساعة من الكهرباء سنوياً، موفراً ما يزيد عن 120 ألف ليتر مكافئ بترولي و167 طناً من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في السنة. ومع ذلك، لا يمكننا أن نتجاهل أن هذه المنشأة هي أضخم نصب تذكاري لفشل أصاب واحدة من أشهر شركات صناعة الإلكترونيات في العالم.
لقد ترسّخ في عقولنا أن كل فشل نصادفه هو خطوة في اتجاه النجاح، ولكن هذا الأمر لا يصلح في جميع الحالات. لقد قام توماس إديسون بآلاف المحاولات الفاشلة لاختراع المصباح الكهربائي، وفي نهاية المطاف نجح في إنجاز ذلك، لكنّ هذه التجارب الفاشلة كانت خلال مرحلة التصميم والابتكار ولم تكن خلال مرحلة الإنتاج والاستثمار. تخيّلوا ماذا ستكون قيمة مصباح إديسون لو أن دورة حياته كانت عشر ساعات فقط يتلف بعدها؟
أحياناً، يكون الفشل مصطنعاً لأسباب اقتصادية أو تجارية أو غيرها. في عشرينات القرن الماضي لاحظت كبرى الشركات الصانعة للمصابيح الكهربائية أن استهلاك الناس للمصابيح منخفض، نتيجة ديمومتها لنحو 1500 إلى 2000 ساعة. فاجتمع رؤساء هذه الشركات في جنيف نهاية عام 1924 وقرّروا تقصير عمر المصابيح إلى 1000 ساعة فقط بهدف مضاعفة إنتاجهم وزيادة أرباحهم، وهذا ما حصل.
من هذا الإفشال المتعمّد لجودة المصابيح الكهربائية تطوّرت سياسة إنتاجية في الصناعات الاستهلاكية اسمها "التقادم المُخطَّط" Planned Obsolescence)). وهي ذات عوائد تجارية كبيرة لأنها تزيد حجم الإنتاج وتعزّز ثقافة الاستهلاك، لكنها في المقابل ذات بصمة بيئية ثقيلة تظهر في استنفاد الموارد الطبيعية وزيادة المخلفات والانبعاثات.
في حياتنا اليومية الكثير من المنتجات التي جرى تصميمها كي نتوقف عن استعمالها بعد فترة محددة من الزمن. ونحن هنا لا نتحدث عن "نظرية مؤامرة" بل عن حقائق مثبتة ووقائع معروفة.
على سبيل المثال، تحتوي معظم طابعات الكومبيوتر التي نستخدمها حالياً على شرائح إلكترونية لتعطيلها بعد طباعة عدد محدد من الأوراق، بصرف النظر عن حالتها الفنية، وغالباً ما يكون مصير هذه الطابعات أن تتحول إلى نفايات إلكترونية في غضون ثلاث أو أربع سنوات من شرائها. وكذلك هي حال الهواتف الذكية التي أصبح المستهلك مضطراً للتخلص منها بسبب عدم دعمها برمجياً لمطابقة أنظمة التشغيل الأحدث.
أن يكون فشل شركة "سانيو" في إنتاج ألواح شمسية مطابقة للمواصفات هو أحد أسباب تداعيها واستحواذ شركة "باناسونيك" عليها لاحقاً، فهذا أمر كارثي بالنسبة إلى شركة واحدة. أمّا أن تسعى الشركات الكبرى لتعمل بشكل متناسق كي"تصنع الفشل" من أجل تحقيق مزيد من الأرباح على حساب موارد الطبيعة وسلامة البيئة، فهذا أمر كارثي على العالم أجمع.
|