تجري على ألسنة العوام، وترد في الموروثات، كلمات قليلة العدد لها قوتها الدلالية، وهي ذات إيحاء يغني عن عدة أسطر مدبَّجة. من هذه ما اخترته عنواناً لمقتطفات وتصريحات لمسؤولين ومراقبين في دوائر بيئية محلية ودولية، لا شك في حسن نياتهم، ولكن أحوال البيئة لا تتحسن بالنيات الطيبة، ولا بالكلمات فقط.
يقول جورج برتـوي، الرئيس الفخري لجمعية جان مونيه في فرنسا: "في حياتنا اليومية، بآمالها ومخاوفها، يزداد وعي الإنسـان الفرد تأكُّـداً من أنه ليس وحده، فثمة مصالح واهتمامات يشـاركه فيهـا كل النوع البشـري. ولكي نبني المستقبل القابل للنمو، الذي نتطلع إليه، علينا أن نُقِـرَّ بهذا التحدي الأساسي، وأن نتعامل معه كما ينبغي".
وتبدو كلمات فريتيوف كابـرا، العالم الفيزيائي والمؤلِّـف الأميركي، كأنها تردُّ على برتوي: "لم يعد الانتقـال إلى مستقبل مسـتدام مشكلة تقنية، ولا مسـألة متصلة بالمفاهيم، بل هـو مشـكلة قيـم، وإرادة سياسية، وقيـادة".
ويضيف إدوارد غولدسميث، مؤسس مجلة "البيئـي" البريطانية: "إننا نحتاج إلى كيان جديد يعمل على إحاطة الحكومات، والرأي العام العالمي على اتسـاعه، بما تم التثبت منه تقريباً، من عواقب مروعة ترتبت على استمرارنا لوقـت طويل ملتصقين بالسياسات القصيرة النظـر المتبعة حالياً".
وينضم إليه دينيس ميـدوز، محلل نظـم النمذجة الكومبيوترية العالمية والمؤلف المشارك لكتاب "حدود النمو": "بعد 35 سنة من البحث في النتائج الإيجابية والسلبية للنمو الصناعي والسكاني، أستطيع أن أقول، بلا تحفُّـظ، إن أشـدَّ ما تفتقـر إليـه البشـرية هـو أسـلوب التفكيـر للمـدى البعيـد. فالمشـاكل جليَّـة في معظمهـا، وحلولهـا بيِّنـة، ولا يتبقى إلاَّ الإقـدام على التنفيذ، وهو أمر يتطلب أفراداً يقدمون مصلحة الحياة في المدى الطويل على الكسب المادي السريع في المدى القصير".
وفي الاتجاه ذاته يقول بيار سـشـوري، الأسـتاذ الزائر في جامعة أديلفي في نيويورك ووزير التعاون التنموي سابقاً في الســويد: "في هذه الأيام، حيث تخضع مبادئ أساسية كالسـلام والعدالة والقانون الدولي والتضامن لمراجعات وتمحيص من أمم قوية وجماعات نفوذ، يتأكد احتياجنا الحيوي البالغ الأهمية إلى فعـل حقيقي. فعلينا أن نرحب بأي كيان يظهر في أي مكان، يكون سعيه إلى لـملمة الجهود المتناثرة، في شبكة تدافع عن القيم الإنسـانية، مؤثِـرةً الفعـل الحقيقي".
أما التكييف الأمني للعلاقة بين الآني والمستقبلي في الشأن البيئي، فيأخذنا إليه جوناثان غرانوف، رئيس مؤسسة الأمن العالمي في الولايات المتحدة، الذي يلفت نظرنا إلى أن ثمة "محــوراً للشـــرِّ في العالم لم يتـح لنـا أن نكشـفه على النحـو المناسـب، يتخذ صـوراً متعددة، منها: وبـاء الفقـر الذي يطحـنُ حيـاة بلايين البشـر بـلا مـوجــب، والأنشــطة الاقتصـاديـة غيـر المســتدامة التي تهدد وجـود الأنظمة الطبيعية الداعمة للحيـاة والتي تُنعِــمُ على المجتمـع الإنسـاني بالخيـر العميـم، وحيـازة الأســلحة النووية مع احتمالات الخطر الناجم عن استخدامها والتي قد تورد أممنا مورد الهلاك وتقوِّضُ أسس صحتنا الأخلاقية. وكلنا يدرك أن الكل أكبر من مجموع الأجـزاء. فهل من مقاربة للتحديات المطروحة كفيلة بتعبئة دعـم الرأي العـام للمبـادرات والسـياســات القادرة على صنــع شــيء مختلــف؟"
أخيراً، ترى الدكتورة أنجيليكـا زاهرنت، رئيسة ائتـلاف حماية البيئة والطبيعة في ألمانيــا: "إننا لبحاجة إلى كيان يقود الجـدل الدائر الآن حول كيفية إزاحة عمليات العولمة التي تغلب عليهـا الصبغة الاقتصادية، لتحـلَّ محلـــهـا تنمية سياسية واجتماعية واعية تشمل العالم كله في صورة شــبكة".
|