Monday 29 Jul 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
نبيل الشريف مناشير خرساء | 08/04/2013
لم يترك الإنسان وسيلة لإلحاق الأذى بالبيئة إلا ولجأ إليها وأوغل في إستعمالها إلى الحد الذي أضحى هو نفسه مغلوباً على أمره وغدا ضحية بائسة لأفعاله. فقد زحفت الصحراء بتجهمها وقحلها على المدن وتلوثت المحيطات وذابت ثلوج القطبين واضمحلت الموارد وغيض الماء وفسد الهواء وجف الزرع ونضب الضرع.
 
لقد تسبب الإنسان بطمعه وجشعه ونظرته القاصرة في هذا كله وأكثر، وتفنن البشر عبر العصور في إيقاع الأذى الممنهج بالبيئة واستعملوا كل الوسائل والأدوات لتحقيق أحلامهم الرعناء قصيرة النظر.
ولو أخذنا المنشار كنموذج على ما فعله جهاز واحد مرغم على أمره لوجدنا أن هذه الأداة الباترة التي سخرها الإنسان لتحقيق أهدافه الجائرة كانت وحدها سبباً في إعدام ملايين الأشجار على امتداد مساحة الكرة الأرضية، حيث أحالت أعداداً هائلة من الغابات الخضراء إلى قفار جدباء.
 
لقد كانت مناطق الصحراء الكبرى وأرض الجزيرة العربية مكسوة كلها بغطاء من الغابات، وكان العراق يسمى أرض السواد لشدة اخضرار مزروعاته وأشجاره، ولكن الحال تغير الآن وأصبحت هذه المناطق تعاني ما تعانيه من جفاف واضمحلال متزايد في الرقعة الخضراء. وقد ساهمت في ذلك عوامل كثيرة، ولكن القطع الجائر للأشجار كان أحد أهم هذه الأسباب بلا شك.
 
وقد أحسنت الحكومة الأردنية مؤخراً عندما أصدرت قراراً بمنع ما تسمى بالمناشير الخرساء، وهي مناشير عملاقة يسستعملها الحطابون الجدد الذين لا يكتفون بتحطيب الأغصان اليابسة كما كان يفعل أجدادنا القدماء، بل ينهالون بمناشيرهم الحديثة العملاقة على الغابات فيحيلونها في أيام صعيداً بلقعاُ. إنهم كالجراد الذي لا يبقي في طريقه الكاسح المدمر عوداً أخضر أو غصناً رطيباً.
 
وقد اكتشف الحطابون الجدد أن المنشار، وهو ساعدهم الأيمن ورفيقهم المخلص الذي لا يمكن الإستغناء عنه، فريد في صفاته وأوصافه. فهو ما إن يلمس شجرة حتى يهوي بها في فترة بسيطة، حتى لو كانت شاهداً حياً على عصور غابرة وأزمان سالفة.
 
ولكن المنشار القاطع ليس كاملاً في تكوينه، فصوته العالي المزمجر هو إعلان لكل من ألقى السمع بأن جريمة نكراء ترتكب بحق الأشجار. وكم من مجزرة بحق الغابات أوقفت وألقي القبض على مرتكبيها نتيجة لصوت المنشار الذي يملأ الكون ضجيجاً، وكأنه يعلن بذلك رفضه وغضبه على الجريمة التي أقحم فيها.
 
ولكن قتلة الغابات الجدد الذين قضت مضاجعهم صرخات المناشير المحتجة كأنها الضمير الحي - على مجازر الأشجار، قرروا إخراسها وتكميم أفواهها إلى الأبد، فغدت مناشير اليوم خرساء بكماء تعيش كل تفاصيل الجريمة دون أن تعلن على الأقل رفضها وإحتجاجها على ما يجري، وأصبحت تمعن قطعاً وتمزيقاً في شرايين الأشجار وتجاويفها دون أن يرف لها جفن!
 
هل أصبح المنشار بذلك واحداً منا عندما فقد قدرته على الاحتجاج والرفض، وأمسى شريكاً متواطئاً بصمته في الجرائم المرتكبة ضد الأشجار؟
 
لاأحسب ذلك، فالمنشار - على عكس القتلة القدامى والجدد – مكره على ما يفعل... لا بطل.
 
د. نبيل الشريف وزير الاعلام الأردني لولايتين، تولى قبلهما وبينهما رئاسة تحرير جريدة الدستور.
 
 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.