Sunday 19 May 2024 |
AFED2022
 
AFEDAnnualReports
Environment and development AL-BIA WAL-TANMIA Leading Arabic Environment Magazine
المجلة البيئية العربية الاولى
 
منتدى البيئة
 
رجب سعد السيد ترعة المحمودية التاريخية صارت مكبَّ نفايات | 30/01/2015
دخل الأستاذ متَّــى، ناظر مدرسة النيل الإعدادية، حجرة الدراسة. وقال إن تلاميذ المدرسة سيخرجون بعد قليل، متوجهين إلى شاطئ ترعة المحمودية، على بعد أمتار قليلة من المدرسة. وذلك لتحية السفن النهرية الآتية من ميناء الإسكندرية البحري، حاملة مولدات كهرباء السد العالي المرسلة من روسيا بحراً، لتنتقل بها عبر الترعة، فتدخل إلى مجرى نهر النيل، متوجهة نحو موقع السد قرب أسوان.

كانت مفاجأة مذهلة، يزيدها جمالاً أننا لم نجد مشاركين من المدارس الأخرى في المنطقة، مما يعني أن الفكرة جاءت بمبادرة شخصية من الأستاذ متَّى، الذي كان يعتزُّ بي لأنني حققت للمدرسة المركز الأول في مسابقة "الميثاق الوطني"، الذي كنت أحفظ نصه عن ظهر قلب.

وقفنا فوق أكوام من الطمي الجاف، كانت الجرافات قد رفعتها من مجرى الترعة استعداداً لمرور السفن النهرية المثقلة بحمولتها التاريخية. وكان يقود هتافاتنا مدرس التربية الرياضية، ولكني كنتُ عازفاً عن الهتاف، منتشياً بإدراكي أنني جزء من مشهد عظيم، محاولاً أن أرسم التوربينات الهائلة الحجم، بلمعانها المعدني، وهي تعكس أشعة الشمس.

كأن محمد علي باشا أنشأ ترعة المحمودية من أجل تلك المهمة فقط: أن تساهم في بناء السد العالي. وكان ذلك الوالي قد عهد بتصميم عمليات حفرها الى مهندس فرنسي يعرف في تاريخها باسم "المسيو كوست". فلما تم حفرها افتتحها في 24 كانون الثاني (يناير) 1820. وقد اقتضى حفر هذه الترعة جهوداً هائلة ومتاعب جسيمة وضحايا كثيرة. ويذكر مؤرخ فرنسي من ذلك العصر، يقال له "المسيو مانجان"، أنه قد مات من الفلاحين الذين اشتغلوا في حفر ترعة المحمودية إثنا عشر ألفاً في مدة عشرة أشهر، وأنهم دفنوا على ضفتي الترعة تحت أكداس التراب الذي كانوا يرفعونه من قاعها، وأن عدد من اشتغلوا في حفرها تجاوز الثلاثمئة ألف.

وقد أتت هذه الترعة بثمرات عظيمة. فمن جهة المواصلات، صارت تجري فيها السفن بين الإسكندرية والداخل، تحمل حاصلات البلاد أو وارداتها فاتسعت حركة التجارة والعمران فيها. كما أن مياه الترعة ساعدت على التوسع في الزراعة وغرس الأشجار والحدائق في ضواحي المدينة، فاتسع نطاق العمران، وبنى الأغنياء القصور وأنشأوا البساتين على ضفاف الترعة في جهات كانت من قبل مقفرة جرداء.

ويحدثنا المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي عن مشاهدته للترعة في زمنه، يقول: "وإذا ذهبت يوماً الى دمنهور متخذاً الطريق الزراعي المُعبَّد الذي يصل بك إلى الإسكندرية، رأيت ترعة المحمودية تنساب بمنظرها البديع ومائها الرقراق، بين بلدات عامرة، وحدائق غناء ومزارع نضرة، وأشجار باسقة، وطيور تحلق زرافات في السماء أو تغرد فوق الأغصان المتهدلة على جانبي الطريق، ووجدت على امتداد البصر مناظر تملأ النفس بهجة وسروراً. وكلما سرت على الطريق رأيته مكتظاً، والدواب تنقل الناس من مختلف البلاد، وتحمل حاصلاتهم ومتاجرهم. وترى الترعة ذاتها لا ينقطع فيها عبور المراكب والصنادل والبواخر حاملة التجارة، ذاهبة وآتية بين الإسكندرية ودمنهور. فحيثما ذهبت تجد معالم العمران المترامي مداه، وتلمح دلائل الحياة والنشاط والتقدم مرتسمة على كل ما يقع عليه نظرك من مشاهد الطبيعة والخلائق. فإذا سرحت الطرف في تلك المناظر البهِجَة، فاذكر أن الفضل في ذلك العمران يرجع لمن حفروا بأيديهم ترعة المحمودية، وبذلوا مهجهم وأرواحهم حتى جرى ماء النيل في تلك النواحي، حاملاً إلى الخلائق والناس والأراضي عناصر الخصب والحياة".
واأسفاه! ترعة المحمودية في الإسكندرية صارت مكباً للنفايات!
 

الصورة: الترعة "المُترعة" بمختلف أنواع النفايات في موقع تجمع سكاني كثيف قرب منطقة محرم بك في جنوب الإسكندرية

 
 
 
 

اضف تعليق
*الاسم الكامل  
*التعليق  
CAPTCHA IMAGE
*أدخل الرمز  
   
 
بندر الأخضر صديق البيئة
(المجموعة الكاملة)
البيئة والتنمية
 
اسأل خبيرا
بوغوص غوكاسيان
تحويل النفايات العضوية إلى سماد - كومبوست
كيف تكون صديقا للبيئة
مقاطع مصورة
 
احدث المنشورات
البيئة العربية 9: التنمية المستدامة - تقرير أفد 2016
 
ان جميع مقالات ونصوص "البيئة والتنمية" تخضع لرخصة الحقوق الفكرية الخاصة بـ "المنشورات التقنية". يتوجب نسب المقال الى "البيئة والتنمية" . يحظر استخدام النصوص لأية غايات تجارية . يُحظر القيام بأي تعديل أو تحوير أو تغيير في النص الأصلي. لمزيد من المعلومات عن حقوق النشر يرجى الاتصال بادارة المجلة
©. All rights reserved, Al-Bia Wal-Tanmia and Technical Publications. Proper reference should appear with any contents used or quoted. No parts of the contents may be reproduced in any form by any electronic or mechanical means without permission. Use for commercial purposes should be licensed.