قرأتُ في مكتبة كلية العلوم في جامعة الإسكندرية، قبل سنوات طويلة، كتاباً عنوانه "الأستاذة فيفي – عالمة النبات الأسطورية" عن حياة فيفي تاكهولم، عالمة النبات السويدية التي عملت كأستاذة لعلم النبات في جامعة القاهرة خلال الفترة من 1946 إلى 1978، واهتماماتها وإنجازاتها العلمية. والشائع عنها أنها جاءت إلى مصر عام 1926 برفقة زوجها جونار تاكهولم، الذي كان أول أجنبي يعين أستاذاً لعلم النبات في كلية العلوم بجامعة القاهرة عام 1925. وأصيب زوجها لاحقاً بمرض أقعده عن العمل، فحلَّت محله. وثمة رواية أخرى تقول بأنها لم تحل محل زوجها، الذي كانت قد رافقته في زيارة إلى مصر قبل الحرب العالمية الثانية، ولم يكن زواجهما موفقاً، إذ كان يعاملها بفظاظة، ولم يلبث أن توفاه الله بعد سبع سنوات من الزواج.
على أي حال، الفضل يعود لزوجها في تقديمها للمجتمع العلمي المصري، وحماستها لدراسة الحياة النباتية في مصر. فانطلقت تعمل وتثبت جدارتها، تنشر أبحاثها ومؤلفاتها الرائدة عن الفلورا المصرية القديمة والحديثة، وتشارك في تطوير قسم علم النبات في جامعة القاهرة، وتأسيس معشبته، والتدريس، والإشراف على الرسائل الأكاديمية، حتى نالت عن استحقاق درجة الأستاذ الزائر في جامعة القاهرة. ولم يكن راتبها الوظيفي كافياً، فكانت تستعين على شؤون المعيشة بما كانت تتحصل عليه من حقوق مؤلفاتها الأكاديمية، أو كتبها التي كانت تضعها للعامة. وفي أحيان كثيرة، كانت تأتيها مساعدات مالية من أصدقاء ومؤسسات، تتغلب بها على أوقات العسر. غير أن ضيق ذات اليد لم يفتّ من عضدها، ولم ينل من حماستها وافتتانها بالفلورا المصرية.
قام الزوجان تاكهولم معاً، ثم الأستاذة فيفي تاكهولم وحدها بعد وفاة الزوج، بعديد من الرحلات العلمية في أرجاء القطر المصري. وتمثل مجموعات العينات والنماذج النباتية التي حصلا عليها النواة التي بدأت بها معشبة قسم النبات في جامعة القاهرة. ويبلغ عدد مقتنيات المعشبة من هذه النماذج والعينات حالياً نحو 200 ألف، موزعة على قاعتين، أكبرهما تحمل اسم فيفي تاكهولم، وفيها العائلات النباتية المصرية المنتمية إلى رتبة ذوات الفلقتين Dicotyledoneae ما عدا عائلة النباتات المُركَّبة Compositae الموجودة في القاعة الثانية ومعها العائلات النباتية المصرية المنتمية إلى رتبة ذوات الفلقة الواحدة Monocotyledoneae والمعروف أن علم تصنيف النباتات لا يقوم بغير معشبة. والتصنيف من العلوم الأساسية المهمة، وعليه ترتكز دراسات اقتصاديات الموارد البيئية وإيكولوجياتها، والتنوع الأحيائي، والغزو البيولوجي.
وقد صادف أن زوجتي سامية اسماعيل تخصصت أيضاً بتصنيف النباتات البرية، وشاركت فيفي تاكهولم في بعض رحلاتها إلى صحراء غرب الإسكندرية والساحل المتوسطي المصري. وكانت فيفي تختارها لتشاركها أيضاً في غرف الفنادق المتواضعة التي يقيم فيها أفراد الفرق البحثية خلال رحلاتهم. وكان التعب يحل بزوجتي، بينما تكون فيفي لا تزال محتفظة بنشاطها وحماستها للعمل. فتسير، بجسمها المحني وخطواتها المتئدة، مسافات طويلة فوق رمال الصحراء، تبحث عيناها الخبيرتان عن النباتات التي تريدها. وكانت زوجتي متخصصة بتصنيف عائلة نباتية تسمى "إيفوربيا"، فأطلقت عليها فيفي اسم "مس إيفوربيا". ويعيش في هذا الساحل الصحراوي نوع نباتي عالمي الانتشار، هو الحسك، أو العقول، واسمه العلمي Echinops taeckholmianus حيث الشق الثاني من هذه التسمية مأخوذ من اسم العالمة السويدية الشهيرة.
وقد وضعت البروفسورة فيفي تاكهولم، التي لا تحمل درجة الدكتوراه، موسوعة مستفيضة عن نباتات مصر، نشرتها في أجزاء متعاقبة ضمن مطبوعات جامعة القاهرة تحت اسم "نباتات مصر". ظهر الجزء الأول منها عام 1941، وشاركها في تأليفه كل من زوجها البروفسور جونار تاكهولم والأستاذ محمد درار من معشبة المتحف الزراعي. أما الجزءان الثاني والثالث فظهرا عامي 1950 و1954، بالإضافة إلى كتاب تدريسي عن الحياة النباتية المصرية لطلاب مرحلة البكالوريوس.
|