يُعنى التحرك البيئي تقليدياً بـ«منع الأذى»، خصوصاً الأذى المرتبط بالآثار الجانبية للنشاطات الاجتماعية والاقتصادية. والحلول التي ينادي بها هي في العادة «تحريمية» من نوع: أقفل هذا، أوقف ذلك، لا تفعل ذاك. ولئن تكن هذه هي مسارات العمل الوحيدة القابلة للتطبيق في بعض الحالات، خصوصاً في مواجهة الدوائر الحكومية المتقاعسة والصناعات العاصية والمصالح المعتدية، فغالباً ما تتيح بدائل بسيطة تخفيف الآثار السلبية من دون خسارة الكثير من الفوائد الاقتصادية.
يسعى مروجو التنمية المستدامة الى تحسين نتائج النشاطات الاقتصادية مع التقليل من تكاليفها حالياً وفي المستقبل. وبدلاً من مجرد ردود الفعل على أعمال الآخرين بهدف منع الأذى، يوجهون جهودهم استباقياً نحو «فعل الخير». لكن التنمية المستدامة تحتاج الى حلول أكثر تعقيداً من تلك التي يقدمها الناشطون البيئيون. فهي تتطلب عادة مجموعة مختلفة من التكنولوجيات والآليات المؤسساتية وأنظمة القرار تفضي الى نتائج شمولية أفضل للجميع. أما المسائل التوزيعية فتعقد الحسابات أكثر: من يحصل على الفوائد ومن يدفع التكاليف؟ وكثيراً ما يحتاج مسار مستدام فعلاً الى إعادة تصميم أساسية لخيارات التنمية، قد تنطوي على قرارات اجتماعية واقتصادية صعبة.
وفي الطرف الثالث جهات فاعلة مثل الحكومات والأعمال التجارية، ترتاح لاستمرار الوضع الراهن، وتقاوم فكرة وجود أي أذى يجب منعه أو أي «خير مجتمعي» لا تلتزم بفعله. هذه هي القوى السائدة في المجتمع، ومقاومتها للتغيير عائق أساسي أمام خلق مجتمع أكثر عدالة وسلامة بيئية وكفاءة اقتصادية. وعندما يصبح من الصعب الإنكار أن المسار الحالي ليس أفضل المسارات الممكنة، تقبل هذه الجهات بلباقة أن ثمة حاجة الى تغيير، لكنها تحاول منع حصوله. ويقع اللوم في عدم تنفيذ هذا التغيير عادة على «انعدام الإرادة السياسية»، وهو مصطلح أجوف بلا معنى.
التنمية المستدامة بحاجة إلى فهم شمولي لكيفية تفاعل مسائل الاقتصاد والبيئة والمجتمع. على سبيل المثال، حَصْر حل أي مشكلة اقتصادية ـ بيئية في تكنولوجيا أو آلية واحدة يستتبع مشاكل خاصة متعلقة بعدم اليقين والخطر وخلق منافع مكتسبة جديدة، خصوصاً عندما تكون التكنولوجيا غير مألوفة أو غير مترسخة في الاقتصاد المحلي. في المبدأ، تفضي الحلول المبسطة للمشاكل القائمة الى خلق مشاكل أكبر، مع ما يرافقها من مدة تنفيذ أطول وتكاليف مالية أعلى. ومن الأمثلة المشهورة المبيد العجيب «د.د.ت»، ومركّبات الكلوروفلوروكربون العجيبة التي تتيح التبريد الرخيص الكلفة. فبعد عقود من الاستخدام كان لا بد من منع هذه المواد التي انتشرت على نطاق واسع في مجمل الاقتصاد العالمي، بسبب تدميرها للتنوع البيولوجي واستنزافها لطبقة الأوزون. ويخالف احتجاز الكربون وتخزينه القوانين الطبيعية، وقد يواجه المصير ذاته، ربما في وقت قريب.
عائق آخر هو الهيكلية المعقدة والباهظة الكلفة وغير الكفوءة التي اعتمدت لكشف التهديدات الناشئة للبيئة العالمية والتعامل معها. وهي لا تؤدي حالياً الى نتائج تفي بمعايير الإنصاف والعدالة والاستدامة، أو حتى الفعالية المباشرة.
وتكمن مشكلة إضافية في تجزيء عملية صنع القرار وحتى التفكير، بالنظر إلى القضايا الاقتصادية والبيئية والاجتماعية منفصلة وبمعزل إحداها عن الأخرى، وبناء القرارات على إحداها فقط أو على بعضها. ولكن مثلما البيئة مهمة لصحة المواطنين، كذلك الاقتصاد مهم لتوفير سبل العيش وتلبية الحاجات الأساسية. واقتصاد الاستثمار في الطبيعة والمؤسسات والرأسمال الاجتماعي مهم بقدر خلق بنية تحتية وصناعات.
لتحقيق نتائج مستدامة، هناك حاجة الى آليات جديدة لترسيخ الشرعية العلمية للقضايا الناشئة ومضاعفاتها، ومناقشة القواعد والقوانين المطلوبة على المستويين الدولي والوطني لاحتواء التهديدات التي تشكلها، وتصميم أنظمة قرار اقتصادية وسياسية تحدد بواسطتها المنافع والتكاليف الاجتماعية وتتقيد بها الاتفاقات.
(أشوك خوسلا) رئيس منظمة «بدائل التنمية» Development Alternatives في الهند. وكان رئيس الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة ورئيس نادي روما. وقد نال تقديرات عالمية، بينها جائزة ساساكاوا البيئية وجائزة زايد الدولية للبيئة. وهـو يكتب سلسلة مقالات خاصـة بـمجلة «البيئة والتنمية».
|