أصدرت مجموعة من النساء اليابانيات كتاباً يوضحن فيه للعالم كيف تأثر المجتمع الياباني بقرارات حظر صيد الحيتان. وقد اخترتُ جانباً من حكاياتهن التي أردن بها التأثير على الرأي العام العالمي لنصرة قضيتهن.
كانت دول شمال أوروبا وكندا والولايات المتحدة تشارك اليابان أنشطة صيد الحيتان، من أجل شحومها وزيوتها. فلما جاءت الصناعات الكيميائية الحديثة ببدائل لهذه المنتجات، استيقظ الضمير الغربي، وتعالت صيحات تطالب بحظر صيد الحيتان لحمايتها من الانقراض. وكان من الصعب على اليابانيين أن يتخلوا، هكذا فجأة، عن صيد الحيتان الذي يوفر لهم نوعاً من اللحوم شديد الارتباط بثقافتهم التقليدية، كما أنه بالنسبة إليهم ليس مجرد مهنة، بل ميراث تقليدي ممتد عبر الأجيال.
كتبت فتاة تقول إن اليابان تبدو في الخريطة كأنها طوف كبير ثابت فوق صفحة المحيط الهادئ، الذي ينظر إليه اليابانيون كما ينظر الأميركيون إلى البراري. لقد أوجدت تلك البراري الشاسعة نموذج راعي البقر، وأمدت المجتمع الأميركي بحيوانات المراعي التي تعطيهم اللحوم. فكما يخرج راعي البقر إلى مزرعته الممتدة في البرية، ليجلب بقرة يأكل لحمها، يفعل الصياد الياباني الأمر نفسه، فيخرج إلى المحيط الواسع ليصطاد حوتاً.
وكتبت فتاة أخرى: الحيتان تعيش في المحيطات، متحررة من أي سيطرة. وتعطيها الامتدادات غير المحدودة من المياه قدرات هائلة على التجدد والازدهار، فتعوِّض ما تفقده من أفرادها في عمليات الصيد أو بالموت الطبيعي. وإن ذلك يحدث منذ خلق الله الأرض وكل المخلوقات. وتضيف: الصيادون اليابانيون يدركون جيداً أهمية المحافظة على تجمعات الحيتان، لأنها إن تناقصت أو اختفت فلن يجدوا ما يصطادونه، واستمرار حياتهم وحياة ذويهم رهن باستمرار تجمعات الحيتان في محيطات العالم بحالة جيدة.
وتقول السيدة ماتسوكو إنها كانت تملك وتدير مطعماً يقدم أطباقاً مبتـكرة من لحـوم الحيتـان، فجـاءت كارثة حظر صيـد الحيتان، وتوقعت أن تكسد تجارتهـا. ولكن إقبال الناس على مطعمها ازداد! وتقول أيضاً إن تردد الزبائن على مطعمها لم يكن فقط لتناول لحوم الحيتان، ولكن أيضاً لمراقبة تقاليد الطهـي وفنون تقديم الأطباق على المائدة. فلحوم الحيتان ليست مجرد أكلة، بل تقاليد وثقافة يابانية عريقة.
أما السيدة يوكو، وتعمل اختصاصية تغذية في المدارس، فلاحظت أن التلاميذ يبتهجون حين تحتوي الوجبة التي تقدمها لهم المدرسة على لحم الحيتان. ولما أصبح هذا اللحم نادر الوجود، بسبب قرارات حظر صيد الحيتان، حذفت وزارة التعليم هذا اللحم من قائمة تغذية تلاميذ المدارس. فذهبت يوكو إلى البرلمان الياباني، وتحدثت إلى النوَّاب، مطالبةً بعودة لحم الحوت إلى قوائم تغذية تلاميذ اليابان، لأنها، كمتخصصة في علوم التغذية، تؤمن بأن الطعام ليس مجـرَّد شيء نأكله، بل شـديد الارتبـاط بقيم معنوية وموروثـات تشكِّل وعينا بأمور الحياة، تجعلنا نقبل عليه ونسعد به.
يبقى السؤال: كم بقرة هناك على الأرض، وكم حوتاً هناك في البحر؟
|