هي الدكتورة مالين فالكنمارك، التي احتفل مؤتمر استوكهولم للمياه في دورته لسنة 2014 بمرور 25 عاماً على تقاعدها الرسمي، وبإصرارها على الاستمرار في العمل بشؤون المياه العالمية التي أعطتها عمرها كله (تبلغ التسعين سنة 2015).
تستقبل الدكتورة فالكنمارك زائريها في غرفة معيشة تزدحم الجدران والرفوف فيها بالجوائز والأوسمة وشهادات التكريم. وإذا سُئلت عنها قالت إنها لا تعني سوى أن أداءها في عملها كان طيباً، وهذا ما تحب أن تتذكره دائماً. فقد كانت تجد متعة كبيرة في مشاركة زملائها مناقشة المشاكل المعقدة المتصلة بالمياه، ومحاولة إيجاد حلول لها. وقد نشرت، خلال تاريخها المهني الذي امتد 60 عاماً، أكثر من 400 بحث وكتاب. ووضعت أول كتبها "مياه العالم" وهي في أجازة أمومتها الثالثة. وتقول إنها لم تفكر في نشأتها أن ينصبَّ اهتمامُها على الأنهار والبحيرات، فقد كانت تجتهد في دراستها، وأهَّلها تفوقُها في الرياضيات للتخصص فيها، مع الكيمياء والفيزياء، في جامعة أوبسالا التي تخرجت فيها عام 1951.
التحقت بالعمل في قسم دراسات الجليد في المعهد السويدي للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا. وكانت أول مهمة كُلِّفتْ بها هي دراسة القدرة الاستيعابية للصفائح الجليدية في الأنهار والبحيرات السويدية. وقامت بكتابة تقرير عن تقييم الأثر البيئي، قبل أن تُعرف هذه الفكرة وتشيع. وكان ذلك بناء على طلب "محكمة المياه" السويدية، التي كانت تنظر في قضية تأثير المحطات المولدة للطاقة الكهربائية على استقرار النظام البيئي للأنهار. ولقي تقريرها استحساناً كبيراً، ورأت إدارة المعهد أن تلتحق بالجامعة لدراسة الهيدرولوجيا. وإذ فوجئت بعدم توفر هذا التخصص في الجامعات السويدية كلها، أنشئ من أجلها. وحصلت على أول درجة دكتورا، سويدية في الهيدرولوجيا عام 1964.
وفي العام 1965، اختيرت مالين فالكنمارك للعمل في مجلس بحوث العلوم الطبيعية في السويد، بصفة الأمينة التنفيذية للجنة الوطنية للعقد العالمي للهيدرولوجيا، بهدف تنفيذ برنامج بحثي تحت رعاية اليونسكو. وهي تتذكر: "كانوا يستخدمونني ككرة الثلج، كلما جدَّتْ مشكلة أسرعوا إليَّ لأتولى أمرها". وكان لهذه المهمة فضل تنبيهها إلى المشاكل الهيدرولوجية في الدول النامية، التي اكتشفت أنها مختلفة تماماً عنها في وطنها السويد. وراحت تتساءل: لماذا يعيش الناس في مناطق خطوط العرض السفلى فقراء؟ وتبينت أن الماء هو كلمة السر في هذا الشأن، ففي غيابه تتفاقم المشاكل، وبه تأتي الحلول.
ولا يجلبُ النجاحَ إلا النجاحُ. فقد أُسندت إلى مالين فالكنمارك في منتصف سبعينات القرن الماضي مسؤولية رئاسية في مجال الهيدرولوجيا العالمية المقارنة، إذ رشحتها وزارة الخارجية السويدية للاضطلاع بمهمة قيادية في مؤتمر الأمم المتحدة للمياه الذي انعقد في "مار دل بلاتا" عام 1977. وفوجئت بالمؤتمر يسند إليها موقع المقرر العام، فأُسقِطَ في يدها، ونودي عليها أن تتخذ مقعدها على منصة المؤتمر، فقامت بشيء من الاضطراب، إذ كانت قاعة المؤتمر تضج بالتصفيق، وكانت تلك المرة الأولى التي تحتل فيها امرأة هذا الموقع.
وقد ساهمت فالكنمارك في تأسيس برامج دراسية في العديد من الجامعات السويدية. وأشرفت بصفتها أستاذة الهيدروليكا التطبيقية والدولية على عدة أطروحات علمية في جامعة ينكوبينج.
وكان لها إسهامُها المؤثر في تنظيم أول لقاء لندوة استوكهولم للمياه عام 1991، التي لم تلبث أن تحولت إلى "الأسبوع العالمي للمياه في استوكهولم"، ثم إلى "معهد استوكهولم الدولي للمياه" الذي اختارها لرئاسة هيئة مستشاريه العلميين.
وتعتزم فالكنمارك مواصلة اهتمامها العملي بدور "المياه الخضراء"، أي المياه المستخدمة في النشاط الزراعي، في تحقيق برامج التنمية المستدامة. وتأسف لأن الكثير من المواقع في العالم لا تأبه لهذه الفكرة، فذلك النوع من المياه هو أساس الإنتاج الغذائي المطلوب للقضاء على الجوع في العالم.
تلك كانت بعض ملامح عالمة المياه السويدية مالين فالكنمارك التي تعرفها الأوساط الأكاديمية الدولية باسم "السيدة مياه".
|