قبل سنوات، فوجئت إدارات حدائـق الحيوان بأنها لـن تتمكن من جلب حيوانات من مواطنهـا الأصلية كي تعرضهـا لمرتاديها. فقد أصدرت هيئات البيئة والحياة البرية العالمية بعض القوانين التي تحظر تداول وتجارة الحيوانات البرية، وبخاصة تلك المهددة بخطر الانقراض.
تبنت حدائق الحيوان العالمية فكرة إنتاج ما تحتاج إليه من حيوانات داخل أسوارها. وراحت تعد البرامج التي توفِّـر لتلك الحيوانات أفضل الظروف للتكاثر وإنتاج صغار تحل محلَّ آبائها وأمهاتها حين تنتهي آجالها. وتشتمل هذه البرامج على دراسات وتجارب لتربية 56 نوعاً من الكائنات الحية المعرضة لخطر الانقراض، لعل أشهرها على الإطلاق دب الباندا، الذي نجح، مع غيره من الحيوانات، في إنتاج الصغار داخل أقفاص حدائق الحيوان. فحصلت هذه الحدائق على احتياجاتها من الصغار، وكان عليها أن تطلق الفائض منها في بيئاتها الطبيعية.
هنا، اكتشف المسؤولون عن تلك البرامج أن الصغار تخفق غالباً في التعايش مع مكونات هذه البيئات، ويهلك نحو 60 في المئة منها. وتوصلوا إلى أن فشل الحيوانات ربيبة الحدائق في التأقلم مع الحياة عند عودتها إلى مواطنها الأصلية، يرجع إلى "التدليل" الذي تجده في حياة الحبس! فهي تُستقبل عند ولادتها بكل تكريم وحفاوة، فلا تجد أدنى ضرورة للتنافس من أجل الطعام، لأنه يأتيها في قفصها، سهلاً، وفيراً، وبانتظام. كما أنها لا تعرف معنى الدفاع عن النفس، فلا أعداء لها في بيت الضيافة. ولا تجيد أصول المطاردة والقنص، فتفقد صفة "التوحش" التي هي ضرورة أساسية للحياة في البرية.
لذلك، بدأ العلماء إخضاع هذه الحيوانات لبرامج "تأهيل" خاصة في دور للحضانة، مثل تلك التي أنشئت في حديقة حيوان سان دييغو في ولاية كاليفورنيا الأميركية، حيث تجري حماية فراخ النسر الفحَّاح من التعود على البشر. نعم، لا يريد العلماء في تلك الحديقة أن تعتاد فراخ هذا النسر وجوه البشر، فقد تبين أن "علاقة عاطفية" غريبة تنشأ بين هذا النوع من النسور والآدميين من الفنيين الذين يقومون على رعاية فراخه عند فقسها حتى إعدادها للطيران في سماء موطنها الأصلي. وقد أدت تلك العلاقة إلى أن تلك النسور لم تعد تخاف البشر، وأصبحت تميل إلى هجرة الخلاء والغابات، حيث عاش الآباء والأجداد، والاقتراب من المناطق المأهولة بالناس، حيث بنادق الصيد موجهة إلى السماء في كل وقت.
لذلك، فإن العاملين في الحديقة يستقبلون فراخ النسر الفحَّاح فور خروجها من البيض في أعشاش قليلة الضوء، ويتعاملون معها وقد وضعوا على وجوههم أقنعة، أو من خلف دمىً تأخذ شكل رأس نسر كبير. كما يحظر على اختصاصي التربية التحدث أثناء إطعامها، لكي لا تأنس إلى الصوت الآدمي، ويصبح سماعها له مرتبطاً بالحصول على الطعام.
إن الشعار السائد في دار حضانة حديقة حيوان سان دييغو هو: لا مكان للوحوش المدللة، فكن وحشاً حقيقياً!
|