لا أجد أدنى حرج في القول إن اهتمامنا بأمر الكوارث الطبيعية في منطقتنا العربية هو من قبيل "المناسبات". فنحن لا نتحرك إلا إذا وقعت الواقعة، وليت حركتنا تكون بالاتجاه المطلوب، وبالتأثير المأمول.
على سبيل المثال، عندما ضرب زلزال مدينة القاهرة وبعض المدن المصرية الأخرى في تشرين الأول (أكتوبر) 1992، تبارت وسائل الإعلام في تقديم برامج التوعية، ووزعت وزارة التعليم كتاباً عن الزلازل لم يهتم معظم المدرسين بشرحه للتلاميذ. ثم حل صمت عميق، حتى هاجمت السيول بعض قرى جنوب مصر، فعاد الحديث عن هذا النوع "الجديد" من الكوارث، الذي صاحبته اضطرابات في عمليات الإغاثة والتهوين على المنكوبين، وكشف عن غياب النظرة الشاملة إلى الكارثة الطبيعية، التي تتضمن سياسات لمنع وقوع الكوارث "المتوقعة" أصـــلاً، أو لتقليل حجم الخسائر إذا حدث المكروه. وركب رئيس الدولة مروحية طارت به إلى موقع السيول، لتفقد الأضرار والتأكد من اتخاذ الإجراءات الضرورية لمواجهة الكارثة! وكان الأجدى أن يبقى في مقر رئاسته، ينسق بين جهود الإدارات المختصة ويراجع مستشاريه.
يمكن أن نرد هذا التراخي إلى اطمئناننا لكوننا نعيش في منطقة آمنة، نسبياً، من أخطار الطبيعة الحادة وكوارثها الفادحة، فيتزحزح اهتمامنا بهذه الأخطار إلى الهامش، مفسحين دفتر الاهتمام والهموم لأنواع أخرى من الأخطار، من صنع أنفسنا، تكاد لا تنتهي.
على أي حال، ندعو الإدارات المختصة إلى الاهتمام بنشر الوعي بالكوارث والأخطار الطبيعية بين العامة، ليتمكنوا من إدراك حجم ما يترصدهم من خطر، وليكتسبوا القدرة على مواجهة هذه الكوارث. ومن الضروري أن تتضمن خطط التوعية، خصوصاً بين شعوب العالم الثالث، تبديد الخرافات السائدة حول بعض الظواهر الطبيعية المسؤولة عن الكوارث، وتصحيح المفاهيم الخاطئة حول منشأ الكارثة الطبيعية وعواقبها. كما يجب أن توازي خطط التوعية برامج أخرى لتدريب الأفراد على مبادئ "التهيؤ" للكارثة الطبيعية، ليكتسب الإنسان "مهارة" التفكير السليم واتخاذ القرار الصائب والسريع أمام الخطر الداهم.
كما ندعو هذه الإدارات إلى وضع ما يمكن تسميته "سياسة قومية لمواجهة الكوارث الطبيعية"، يتعلق أول بنودها بالكوارث ذات الخسائر المحدودة، ويكتفي بتقديم النجدة للمتضررين في صورة إعانات عاجلة. ويهدف البند الثاني إلى إيجاد وسائل تكنولوجية تمكن من تحقيق السيطرة على الحوادث الطبيعية وتحجيم آثارها. ويمثل البند الثالث عمود هذه السياسة، ويتضمن بعض الإجراءات التي تقلل من آثار الدمار الشامل المتخلف عن الكارثة، مثل وضع خرائط شاملة للكوارث، وتجهيز خطط الطوارئ، ووضع تصميمات للأشغال الهندسية لمختلف أغراض السياسة، وتدبير مصادر التمويل ومشاريع التأمين ضد الأخطار، وإعداد مركز وقاعدة معلومات، بالإضافة إلى تجهيز وتشغيل محطات التنبؤ والرصد والإنذار. أما البند الأخير، فيدعو إلى وجود إدارة مركزية واحدة لكل الأخطار، تتحد فيها كل الاستراتيجيات وتتحول إلى سياسة شاملة، وتراعى فيها المساواة بين مختلف الأخطار في البلدان المتقدمة، وتسمح بإعطاء أولويات لبعضها في دول العالم الثالث. ويفضل أن تكون هذه الإدارة المركزية تابعة لأجهزة حماية البيئة في المجتمعات الصناعية الكبرى، أما في العالم الثالث فيجب ربطها بمؤسسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
|